الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كل

كل : اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر المضاف هو إليه ، نحو : كل نفس ذائقة الموت [ آل عمران : 185 ] ، والمعرف المجموع ، نحو : وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [ مريم : 95 ] . كل الطعام كان حلا [ آل عمران : 93 ] ، وأجزاء المفرد المعرف ، نحو : يطبع الله على كل قلب متكبر [ غافر : 35 ] بإضافة قلب إلى متكبر أي : على كل أجزائه ، وقراءة التنوين لعموم أفراد القلوب .

وترد باعتبار ما قبلها وما بعدها على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون نعتا لنكرة أو معرفة : فتدل على كماله ، وتجب إضافتها إلى اسم ظاهر يماثله لفظا ومعنى ، نحو : ولا تبسطها كل البسط [ الإسراء : 29 ] . أي : بسطا كل البسط ، أي : تاما . فلا تميلوا كل الميل [ النساء : 129 ] .

ثانيها : أن تكون توكيدا لمعرفة : ففائدتها العموم ، وتجب إضافتها إلى ضمير راجع [ ص: 512 ] للمؤكد ، نحو : فسجد الملائكة كلهم أجمعون [ الحجر : 30 ] وأجاز الفراء والزمخشري : قطعها حينئذ عن الإضافة لفظا ، وخرج عليه قراءة بعضهم : ( إنا كلا فيها ) [ الزخرف : 48 ]

ثالثها : تكون تابعة بل تالية للعوامل : فتقع مضافة إلى الظاهر وغير مضافة ، نحو : كل نفس بما كسبت رهينة [ المدثر : 38 ] وكلا ضربنا له الأمثال [ الفرقان : 39 ] .

وحيث أضيفت إلى منكر : وجب في ضميرها مراعاة معناها ، نحو : وكل شيء فعلوه [ القمر : 52 ] . وكل إنسان ألزمناه [ الإسراء : 13 ] . كل نفس ذائقة الموت [ آل عمران : 185 ] . كل نفس بما كسبت رهينة . وعلى كل ضامر يأتين [ الحج : 27 ] .

أو إلى معرف : جاز مراعاة لفظها في الإفراد والتذكير ، ومراعاة معناها ، وقد اجتمعا في قوله : إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [ مريم : 93 - 95 ] .

أو قطعت : فكذلك ، نحو : قل كل يعمل على شاكلته [ الإسراء : 84 ] . فكلا أخذنا بذنبه [ العنكبوت : 40 ] . وكل أتوه داخرين [ النمل : 87 ] . وكل كانوا ظالمين [ الأنفال : 54 ] .

وحيث وقعت في حيز النفي - بأن تقدمت عليها أداته أو الفعل المنفي - فالنفي موجه إلى الشمول خاصة . ويفيد بمفهومه إثبات الفعل لبعض الأفراد .

وإن وقع النفي في خبرها فهو موجه إلى كل فرد ;هكذا ذكره البيانيون .

وقد أشكل على هذه القاعدة قوله : إن الله لا يحب كل مختال فخور [ لقمان : 18 ] إذ يقتضي إثبات الحب لمن فيه أحد الوصفين .

وأجيب : بأن دلالة المفهوم إنما يعول عليها عند عدم المعارض ، وهو هنا موجود ، إذ دل الدليل على تحريم الاختيال والفخر مطلقا .

مسألة : تتصل ( ما ) بكل ، نحو : كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا [ البقرة : 25 ] وهي مصدرية ، ولكنها نابت بصلتها عن ظرف زمان كما ينوب عنه المصدر الصريح ، والمعنى : كل وقت ، ولهذا تسمى ( ما ) هذه المصدرية الظرفية ، أي : النائبة عن الظرف ، لا أنها ظرف في نفسها ; فكل من ( كلما ) منصوب على الظرف لإضافته إلى شيء هو قائم مقامه ، وناصبه الفعل الذي هو جواب في المعنى .

وقد ذكر الفقهاء والأصوليون أن ( كلما ) للتكرار ، قال أبو حيان : وإنما ذلك من عموم [ ص: 513 ] ( ما ) ; لأن الظرفية مراد بها العموم ، و ( كل ) أكدته .

التالي السابق


الخدمات العلمية