الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3 - باب ما جاء في صبغ الشعر

                                                                                                          حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليسا لهم وكان أبيض اللحية والرأس قال فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما قال فقال له القوم هذا أحسن فقال إن أمي عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت علي لأصبغن وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ

                                                                                                          قال يحيى سمعت مالكا يقول في صبغ الشعر بالسواد لم أسمع في ذلك شيئا معلوما وغير ذلك من الصبغ أحب إلي قال وترك الصبغ كله واسع إن شاء الله ليس على الناس فيه ضيق

                                                                                                          قال وسمعت مالكا يقول في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصبغ ولو صبغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود

                                                                                                          [ ص: 536 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 536 ] 1771 1723 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) بن قيس بن عمرو الأنصاري ، ( قال : أخبرني محمد بن إبراهيم الحارث التيمي ) القرشي ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ) بن عوف الزهري : ( أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ) بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري ، ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات أبوه في ذلك الزمان ، فلذلك عد في الصحابة ، وقال العجلي : من كبار التابعين .

                                                                                                          ( قال : وكان جليسا لهم ، وكان أبيض الرأس واللحية ، قال : فغدا عليهم ذات يوم ، وقد حمرها ) : صبغها بالحمرة ، ( قال : فقال له القوم : هذا أحسن ) من البياض ( قال : إن أمي عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة ) بضم النون ، وفتح الخاء معجمة عند يحيى مهملة عند غيره ، وإسكان التحتية .

                                                                                                          ( فأقسمت علي لأصبغن ) - بضم الباء ، وكسرها - ، ( وأخبرتني أن أبا بكر الصديق - رضي الله - عنه كان يصبغ ) ، بضم الموحدة ، وحكي كسرها وفتحها .

                                                                                                          ( قال مالك في صبغ الشعر بالسواد : لم أسمع في ذلك شيئا معلوما ، وغير ذلك من الصبغ أحب إلي ) كالحمرة والصفرة ، ( وترك الصبغ كله واسع - إن شاء الله - ليس على الناس فيه ضيق ) خلافا لمن قال : الصبغ بغير السواد سنة .

                                                                                                          [ ص: 537 ] ( قال : وفي هذا الحديث بيان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصبغ ، ولو صبغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود ) مع قولها : إن أبا بكر كان يصبغ ، أو بدونه ، وقد أنكر أنس كونه - صلى الله عليه وسلم - صبغ .

                                                                                                          وقال ابن عمر : إنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالصفرة .

                                                                                                          وقال أبو رمثة : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه بردان أخضران ، وله شعر قد علاه الشيب ، وشيبه أحمر مخضوب بالحناء ، رواه الحاكم وأصحاب السنن .

                                                                                                          وسئل أبو هريرة : هل خضب - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، رواه الترمذي وغيره ، ووافق مالك أنسا على الإنكار .

                                                                                                          وتأول حديث ابن عمر بحمله على الثياب لا الشعر لحديث أبي داود عن ابن عمر : " كان يصبغ بالورس ، والزعفران حتى عمامته " ، ولا يعارضه حديثه أيضا : " كان يصفر بهما لحيته " ، لاحتمال أنه كان مما يتطيب به لا أنه كان يصبغ بهما .

                                                                                                          وحمل أحاديث غيره إن صحت على أن تلونه من الطيب لا من الصبغ لما في البخاري وغيره .

                                                                                                          قال ربيعة : رأيت شعرا من شعره - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو أحمر ، فسألت فقيل : أحمر من الطيب .

                                                                                                          قال الحافظ : لم أعرف اسم المسئول المجيب بذلك ، إلا أن الحاكم روى أن عمر بن عبد العزيز ، قال لأنس : هل خضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فإني رأيت شعرا من شعره قد لون فقال : إنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعره فهو الذي غير لونه .

                                                                                                          فيحتمل أن ربيعة سأل أنسا عن ذلك فأجابه .

                                                                                                          وفي رجال مالك للدارقطني والغرائب له عن أبي هريرة : " لما مات - صلى الله عليه وسلم - خضب من كان عنده شيئ من شعره ، ليكون أبقى لها " ، فإن ثبت هذا استقام إنكار أنس ، ويقبل ما أثبته سواه التأويل ، وأول أيضا بأنه صبغ في وقت حقيقة ، وترك في معظم الأوقات ، فأخبر كل بما رأى وهو صادق ، فمن أثبته يحمل على أنه فعله لبيان الجواز ، ولم يواظب عليه ، ويحمل نفي أنس على غلبة الشيب ، حتى يحتاج إلى خضابه ، ولم يتفق أنه رآه حين خضب ، وغاية ما يفيده هذا عدم الحرمة ; لأنه يفعل المكروه في حق غيره لبيان الجواز ، وزعم بعضهم أن هذا التأويل كالمتعين لحديث ابن عمر : " أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالصفرة " ، ولا يمكن تركه لصحته ، ولا تأويل له ، فيه نظر ، إذ هو في نفسه محتمل للثياب والشعر ، وجاء ما يعين الأول في سنن أبي داود عن ابن عمر نفسه : " كان - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالورس ، والزعفران حتى عمامته " ، ولذا رجحه عياض .




                                                                                                          الخدمات العلمية