الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل [ حكومة النبيين الكريمين داود وسليمان ]

وعلى هذا الأصل تبتني الحكومة المذكورة في كتاب الله - عز وجل - التي حكم فيها النبيان الكريمان داود وسليمان صلى الله عليهما وسلم إذ حكما في الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم ، والحرث : هو البستان ، وقد روي أنه كان بستان عنب ، وهو المسمى بالكرم ، والنفش : رعي الغنم ليلا ، فحكم داود بقيمة المتلف ، فاعتبر الغنم فوجدها بقدر القيمة ، فدفعها إلى أصحاب الحرث ، إما لأنه لم يكن لهم دراهم ، أو تعذر بيعها ورضوا بدفعها ورضي أولئك بأخذها بدلا عن القيمة ، وأما سليمان فقضى بالضمان على أصحاب الغنم ، وأن يضمنوا ذلك بالمثل بأن يعمروا البستان حتى يعود كما كان ، ولم يضيع عليهم مغلة من الإتلاف إلى حين العود ، بل أعطى أصحاب البستان ماشية أولئك ليأخذوا من [ ص: 246 ] نمائها بقدر نماء البستان فيستوفوا من نماء غنمهم نظير ما فاتهم من نماء حرثهم ، وقد اعتبر النماءين فوجدهما سواء وهذا هو العلم الذي خصه الله به وأثنى عليه بإدراكه .

وقد تنازع علماء المسلمين في مثل هذه القضية على أربعة أقوال : أحدها : موافقة الحكم السليماني في ضمان النفش وفي المثل ، وهو الحق ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد ، ووجه للشافعية والمالكية ، والمشهور عندهم خلافه .

والقول الثاني : موافقته في ضمان النفش دون التضمين بالمثل ، وهذا هو المشهور من مذهب مالك والشافعي وأحمد .

والثالث : موافقته في التضمين بالمثل دون النفش كما إذا رعاها صاحبها باختياره دون ما إذا تفلتت ولم يشعر بها ، وهو قول داود ومن وافقه .

والقول الرابع : أن النفش لا يوجب الضمان بحال ، وما وجب من ضمان الراعي بغير النفش فإنه يضمن بالقيمة لا بالمثل ، وهذا مذهب أبي حنيفة .

وما حكم به نبي الله سليمان هو الأقرب إلى العدل والقياس ، وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضمان على أهلها ، فصح بحكمه ضمان النفش ، وصح بالنصوص السابقة والقياس الصحيح وجوب الضمان بالمثل ، وصح بنص الكتاب الثناء على سليمان بتفهيم هذا الحكم ، فصح أنه الصواب ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية