الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تفريعات


398 - واختلفوا إن أمسك الأصل رضا والشيخ لا يحفظ ما قد عرضا      399 - فبعض نظار الأصول يبطله
وأكثر المحدثين يقبله      400 - واختاره الشيخ فإن لم يعتمد
ممسكه فذلك السماع رد

[ ص: 186 ] ( تفريعات ) ثمانية تتعلق بهذين القسمين :

الأول : ( واختلفوا ) أي : العلماء ( إن أمسك الأصل ) مع المراعاة له حين القراءة على الشيخ ( رضى ) في الثقة والضبط لذلك ( والشيخ ) حينئذ ( لا يحفظ ما قد عرضا ) الطالب عليه ، ولا هو ممسك أصله بيده ، هل يصح السماع أم لا ؟ ( فبعض نظار الأصول ) ، وهو إمام الحرمين ، وكذا المازري في شرح البرهان ( يبطله ) أي : السماع .

وحكى عياض أن القاضي أبا بكر الباقلاني تردد فيه ، قال : وأكثر ميله إلى المنع ، بل نقله الحاكم عن مالك وأبي حنيفة ; لأنهما لا حجة عندهما ، إلا بما رواه الراوي من حفظه ، وذلك يقتضي أنه لو كان الأصل بيده ، فضلا عن يد ثقة غيره ، لا يكفي ، كما سيأتي في صفة رواية الحديث وأدائه .

( وأكثر المحدثين يقبله ) ، بل هو الذي عليه عمل كافة الشيوخ وأهل الحديث كما حكاه عياض ، ونقل تصحيحه عن بعضهم ( واختاره الشيخ ) ابن الصلاح ، ووهن السلفي الخلاف ; لاتفاق العلماء على العمل بهذا ، وذكر ما حاصله أن الطالب إذا أراد أن يقرأ على شيخ شيئا من سماعه هل يجب أن يريه سماعه في ذلك الجزء أم يكفي إعلام الطالب الثقة الشيخ أن هذا الجزء سماعه على فلان ؟ وقال : هما سيان ، على هذا عهدنا علماءنا عن آخرهم .

قال : ولم يزل الحفاظ قديما وحديثا يخرجون للشيوخ من الأصول ، فتكون تلك الفروع بعد المقابلة أصولا ، [ وهل كانت الأصول ] أولا إلا فروعا ؟ ! انتهى .

[ ص: 187 ] ولله در القائل :


قل لمن لا يرى المعاصر شيئا     ويرى للأوائل التقديما
إن ذاك القديم كان جديدا     وسيبقى هذا الجديد قديما

وإذا اكتفى بإعلام الثقة بأصل المروي ، فهنا كذلك بل أولى ، ولو كان القارئ مع كونه موثوقا به دينا ومعرفة يقرأ في نفس الأصل صح أيضا على الصحيح ، كإمساك الشيخ نسخته ; إذ لا فرق بين الاعتماد على بصره أو سمعه ; حيث يكون حافظا ، خلافا لبعض أهل التشديد في الرواية ممن لم يعتبر بما حدث به الشيخ من كتابه ، بل هو هنا أولى بالصحة مما لو كان الأصل بيد سامع آخر ; لأن القراءة في هذه الصورة أضبط في اتباع ما حمله الشيخ ، والذهول فيها أقل . هذا كله إن كان الممسك أو القارئ فيه معتمدا رضى ، وكان الشيخ غير حافظ كما تقدم .

( فإن لم يعتمد ) بالبناء للمفعول ( ممسكه ) ، أو القارئ فيه ، ولا هو ممن يوثق به ( فذلك السماع رد ) أي : مردود غير معتد به ، ولذا ضعف أئمة الصنعة رواية من سمع الموطأ على مالك بقراءة ابن حبيب كاتبه ; لضعفه عندهم ، بحيث اتهم بتصفح الأوراق ومجاوزتها بدون قراءة ، إما في أثناء قراءته ، أو بعد انتهاء المجلس حين البلاغ ، قصدا للعجلة . وهذا مردود ، فمثل هذا لا يخفى على مالك .

قال عياض : لكن عدم الثقة بقراءة مثله ، مع جواز الغفلة والسهو عن الحرف وشبهه وما لا يخل بالمعنى ، مؤثرة في تصحيح السماع كما قالوه . ولهذه العلة لم يخرج البخاري من حديث ابن بكير عن مالك إلا قليلا ، وأكثر منه عن الليث ، قالوا : لأن [ ص: 188 ] سماعه كان بقراءة ابن حبيب - انتهى .

وإن كان الشيخ حافظا فهو كما لو كان أصله بيده ، بل أولى ; لتعاضد ذهني شخصين عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية