الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( فصل ) : مراهقة رأت الدم فجاءت تستفتي قبل أن يتمادى بها الدم هل تؤمر بترك الصوم والصلاة ؟ كان الشيخ الإمام أبو حفص ومحمد بن سلمة رحمهما الله تعالى يقولان : بأنها تؤمر بذلك . وقد روي عن محمد رحمه الله تعالى في غير رواية الأصول أنها لا تؤمر بذلك حتى يستمر بها الدم ثلاثة أيام ، وهو اختيار بشر بن غياث ووجهه أنها على يقين من الطهارة ، وفي شك من الحيض لجواز أن ينقطع فيما دون الثلاث فلا يكون حيضا ، واليقين لا يزال بالشك فتؤمر بالصوم والصلاة فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام علم بأنها كانت حائضا فعليها قضاء الصيام إذا طهرت والأصح هو الأول فإن الله تعالى وصف الحيض بأنه أذى وقد تيقنت به في وقته فيتعلق به حكمه وإنما يخرج المرئي من أن يكون حيضا إذا انقطع لما دون الثلاث وفي هذا الانقطاع شك فحكمنا بهذا الظاهر وتركنا المشكوك وجعلناها حائضا لا تصوم ولا تصلي فإذا انقطع دمها لتمام عشرة أيام ، فهو حيض كله فإن جاوز العشرة واستمر بها الدم فحيضها عشرة أيام من أول ما رأت الدم وطهرها عشرون يوما ; لأن أمر الحيض مبني على الإمكان لتأيده بسبب ظاهر ، وهو رؤية الدم وإلى العشرة الإمكان موجود فجعلناها حيضا وإذا انقطع لتمام العشرة كان الكل حيضا فبزيادة السيلان لا ينتقص الحيض وإذا كانت العشرة حيضا فبقية الشهر وذلك عشرون يوما طهرها ; لأن الشهر [ ص: 154 ] يشتمل على الحيض والطهر عادة .

وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنها تأخذ بالاحتياط فتغتسل بعد ثلاثة أيام ثم تصوم وتصلي سبعة أيام بالشك ولا يقربها زوجها حتى تغتسل بعد تمام العشرة وتقضي صيام الأيام السبعة ; لأن الاحتياط في باب العبادات واجب ، ومن الجائز أن حيضها أقل الحيض فتحتاط لهذا ، وهو ضعيف فإنا قد عرفناها حائضا ، ودليل بقائها حائضا ظاهر ، وهو سيلان الدم فلا معنى لهذا الاحتياط ، وكان إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى يقول ترد إلى عادة نسائها يعني نساء عشيرتها ، وهذا ضعيف أيضا ; لأن طباع النساء مختلفة حتى لا تجد أختين أو أما وابنة على طبع واحد وكذلك المرأة يختلف طبعها في كل فصل فكيف يستقيم اعتبار حال نسائها في معرفة مدة حيضها وللشافعي قولان :

أحدهما : أن حيضها يوم وليلة أقل مدة الحيض أخذا باليقين .

والثاني أن حيضها سبعة أيام بناء على العادة الظاهرة واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { تحيضي يعلم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء في كل شهر وتطهر } ، وهذا ضعيف أيضا فإن اعتبار العادة عند عدم ظهور ما يخالفها وقد ظهر هنا ما يضاد الطهر ، وهو سيلان الدم فكان الحكم له إلا إذا تعذر الإمكان هذا إذا كانت مبتدأة فأما صاحبة العادة إذا استمر بها الدم فحيضها أيام عادتها عندنا ، وقال الشافعي رحمه الله تعالى : يحكم لون الدم فما دام على لون واحد من السواد والحمرة ، فهو حيض واستدل بالحديث الذي روينا { دم الحيض أسود عبيط محتدم } والمراد به البيان عند الاشتباه .

( ولنا ) قوله صلى الله عليه وسلم { المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ، وهذه مستحاضة } فترد إلى أيام أقرائها ، وبهذا اللفظ تبين أن أقل مدة الحيض ثلاثة أيام ; لأن الأيام اسم جمع ، وأقله ثلاثة ومراده صلى الله عليه وسلم من الحديث الآخر بيان لون الدم في أصل الخلقة ، وقد يختلف ذلك باختلاف الأغذية والطباع كما بينا وقال مالك : رحمه الله تعالى المستحاضة تستظهر بثلاثة أيام بعد أيامها للاختبار فإن طهرت وإلا اغتسلت وصلت وما روينا من الحديث حجة عليه فقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام أقرائها من غير زيادة { وقال لفاطمة بنت أبي حبيش : حين استحيضت انتظري الأيام التي كنت تحيضين فيها فإذا مضت فاغتسلي وصلي } ولم يأمرها بالاستظهار بعدها بشيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية