الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 437 ] مسألة

" فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه أو وجد ماء لا يكفيه لبعض طهارته استعمله وتيمم للباقي "

هنا مسألتان :

إحداهما : إذا أمكنه استعماله في بعض بدنه مثل أن يكون بعضه صحيحا وبعضه جريحا ، أو يمكن الذي يخاف البرد كأن يتوضأ ويغسل مغابنه وشبه ذلك ، فيلزمه غسل ما يقدر عليه في الطهارتين الصغرى والكبرى ، لحديث صاحب الشجة حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر - أو : يعصب - على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده " .

وفي حديث عمرو " أنه غسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم " وذلك لأن الله تعالى يقول : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وهذا يستطيع التطهر بالماء في بعض بدنه فيلزمه ، ويكون التيمم عما لم يصبه الماء ، ومثل ذلك مثل من غسل أكثر أعضائه ثم انقلب ماء طهارته فإنه يتيمم له ، هذا إذا لم يمكن غسل بقية البدن ولا مسحه ، فإن أمكن مسحه دون غسله ، فعنه : يلزمه المسح ؛ لأنه بعض المأمور به فيلزمه ، والتيمم بدلا عن تمام الغسل ، وعنه : يلزمه المسح فقط لأنه أقرب إلى معنى الغسل . ولأنه كان عليه حائل أجزأه مسحه فمسح البشرة أولى ، وعنه : يلزمه التيمم فقط لأن الفرض هو [ ص: 438 ] الغسل وقد عجز عنه فينتقل إلى بدله ، وهذا اختيار القاضي وغيره من أصحابنا ، فإن كان الجرح نجسا أو عليه لصوق أو عصابة أو جبيرة ، فقد تقدم حكمها .

الثانية : إذا وجد ما لا يكفيه لجميع طهارته فإنه يستعمله ويتيمم لما لم يصبه الماء في الغسل والوضوء في أحد الوجهين ، وفي الآخر وهو قول أبي بكر يستعمل الجنب ما وجد دون المحدث ؛ لأن الجنب يرتفع حدثه عما غسله ، وإذا وجد بعد ذلك ماء غسل بقية بدنه ؛ لأن الموالاة لا تجب في الغسل بخلاف المحدث ، فإن الموالاة واجبة في الوضوء فلا يستفيد بغسل البعض فائدة ، ولهذا شرع في الجماع غسل بعض بدن الجنب عند النوم والأكل والجماع ، ولم يشرع غسل بعض أعضاء المحدث ، والأول قول أكثر أصحابنا لما تقدم في التي قبلها ، ولأنه من شروط الصلاة فالعجز عن بعضه لا يسقط الممكن منه كالسترة وغسل النجاسة ، ونقضوا التعليل بالموالاة بما إذا كان بعض أعضائه جريحا وكمن بخس بعض الفاتحة ، ثم قد يمكن الموالاة إذا وجد ماء قبل جفاف الأعضاء ، ثم عجز عن الموالاة ، إذا أسقطها لم تسقط ما هي شرط له وهو الغسل كشرائط غيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية