الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2109 - مسألة : الحائط يقع فيتلف نفسا أو مالا ؟ قال علي : روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن جابر الجعفي عن الشعبي عن شريح في الحائط إذا كان مائلا ، قال : إن شهدوا عليه ضمن .

                                                                                                                                                                                          وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في الجدار إذا كان مائلا إذا شهدوا على صاحبه فوقع على إنسان فقتله ، فإنه يضمن .

                                                                                                                                                                                          وعن إبراهيم النخعي مثل قول شريح في الجدار المائل .

                                                                                                                                                                                          وقال آخرون غير هذا : كما روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب [ ص: 193 ] أخبرني يونس - هو ابن يزيد - عن ابن شهاب أنه قال في رجل مال جدار لجاره ، أو انصدع ، فقال له : اكسر جدارك هذا فإنا نخافه ؟ فأبى عليه ، ثم إن الجدار سقط فقتل عبد الذي نهاه ، أو حرا من أهله ؟ قال : لا نرى عليه شيئا ، وقد فرط وأساء .

                                                                                                                                                                                          وأما المتأخرون - فإن ابن أبي ليلى قال : إن علم صاحب الجدار بميله وضعفه فتركه فهو ضامن ، وإن لم يعلم لم يضمن - وبه يقول أبو ثور .

                                                                                                                                                                                          وقال سفيان الثوري : إن لم يشهدوا عليه لم يضمن ، وإن كان معتدلا - وهو مشقوق - لم يجبر على نقضه .

                                                                                                                                                                                          وقال إسحاق بن راهويه : يضمن ما أصاب جداره - أشهد عليه أو لم يشهد .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأصحابهما ، والحسن بن حي : إن أشهد عليه بهذا ضمن ، وإن لم يشهد عليه لم يضمن .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهما : لا ضمان عليه - أشهد عليه أو لم يشهد عليه .

                                                                                                                                                                                          قال علي : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق من ذلك فنتبعه - بعون الله تعالى - فنظرنا فيمن فرق بين حكم الإشهاد عليه وحكم ترك الإشهاد عليه ، فلم نجد لهما متعلقا لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا نظر إلا أنهم قالوا : قد روي عن جماعة من التابعين - وهذا ليس بشيء ، لأننا قد أوردنا مما خالفوا فيه الطوائف من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف كثيرا جدا ، فكيف ما اختلف فيه نفر من التابعين ؟ وقد أوردنا آنفا قول الزهري : أنه لا ضمان عليه - مع أن القوم بزعمهم أصحاب قياس ؟ ولا يختلفون فيمن وضع دابة في ملكه فخرجت فقتلت من غير فعله أنه لا ضمان عليه - أشهد أو لم يشهد عليه - فما الفرق بين هذا وبين الجدار ينهدم من غير فعله ؟ فبطل هذا القول وظهر فساده وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 194 ] ولم يبق إلا قول من ضمن ما أصاب الجدار - أشهد عليه أو لم يشهد عليه - أو قول من لم يضمنه ما أصاب - أشهد عليه أو لم يشهد - إذ قد صح أن التفريق بين الإشهاد وغير الإشهاد : لا معنى له ألبتة .

                                                                                                                                                                                          فنظرنا في ذلك فوجدنا صاحب الجدار المائل لا يسمى " قاتلا " لمن قتله الجدار في لغة العرب ؟ وقد يكون غائبا بأقصى المشرق والحائط بأقصى المغرب ، فإذ لا يسمى قاتل عمد ، ولا قاتل خطأ فلا دية في ذلك ، ولا كفارة ، ولا ضمان لما تلف من مال ، إذ الأموال محرمة ، ولا يجوز الحكم بغرامة على أحد لم يوجبها عليه نص ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية