1492 [ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم
37 - كتاب الوصية
( 1 ) باب الأمر بالوصية
1463 - مالك عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 6 ] قال : ( ( ما حق امرئ مسلم ، له شيء يوصي فيه ، يبيت ليلتين ، إلا ووصيته عنده مكتوبة ) ) .
كتاب الوصية
التالي
السابق
33206 - قال أبو عمر : هكذا قال مالك في هذا الحديث : له شيء يوصي فيه ، وقال بعضهم فيه : عن نافع ، عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ( ابن عمر ) ) . لا ينبغي لأحد عنده مال يوصى فيه ، تأتي عليه ليلتان إلا ووصيته عنده
33207 - وقال فيه : عن الزهري سالم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ( ) ) . لا ينبغي لأحد يبيت ثلاثا ، إلا ووصيته مكتوبة عنده
33208 - وقد ذكرنا اختلاف ألفاظ الناقلين لهذا الحديث في ( ( التمهيد ) ) .
[ ص: 7 ] 33209 - وفي هذا الحديث . الحض على الوصية ، والتأكيد في ذلك
33210 - وأجمع الجمهور على أن غير واجبة على أحد إلا أن يكون عليه دين ، أو يكون عنده وديعة ، أو أمانة ، فيوصي بذلك . الوصية
33211 - وشذ أهل الظاهر ، فأوجبوا الوصية فرضا إذا ترك الرجل مالا كثيرا ، ولم يوقتوا في وجوبها شيئا ، والفرائض لا تكون إلا مؤقتة معلومة ، والله أعلم .
33212 - وقد استدل بعض العلماء على أن الوصية غير واجبة بقوله عز وجل في آية الوصية : بالمعروف حقا على المتقين [ البقرة : 180 ] ، والمعروف : التطوع بالإحسان ، قالوا : والواجب يستوي فيه المتقون وغيرهم من أهل الدين .
33213 - واستدل غيره بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص وهذا لا يحتج له; لأن ما تخلفه صلى الله عليه وسلم من شيء تصدق به ، ولم يترك شيئا .
33214 - قالت عائشة - رضي الله عنها - : ( ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ، ولا درهما ، ولا شاة ، ولا بعيرا ، ولا أوصى بشيء ) ) .
33215 - وقال صلى الله عليه وسلم ( ( إنا لا نورث ما تركنا فهو صدقة ) ) .
33216 - فأي وصية أعظم من هذه أن تكون تركته كلها صدقة ، لا ميراث فيها ، وإنما ندب إلى الوصية من أمته من ترك مالا يورث عنه .
[ ص: 8 ] 33217 - قال الله عز وجل : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية [ البقرة : 180 ] .
33218 - وأجمعوا أن الخير المال في قوله عز وجل في آية الوصية إن ترك خيرا . . .
33219 - وكذلك قوله في الإنسان : وإنه لحب الخير لشديد [ العاديات : 8 ] ، الخير عندهم هنا المال .
33220 - كذلك قوله عز وجل حاكيا عن سليمان عليه السلام : إني أحببت حب الخير [ ص : 32 ] .
33221 - [ كذلك قوله حاكيا عن شعيب عليه السلام : إني أراكم بخير [ هود : 84 ] ، قالوا : الغنى .
33222 - وقد جاء في مواضع من القرآن ذكر الخير بمعنى المال ، والغنى ، ومن لم يترك دينارا ولا درهما ، ولا شاة ، ولا بعيرا ، فلم يترك خيرا ، ولا مالا يوصى فيه .
33223 - حدثني ، قال : حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن عبد السلام ، قال : حدثني محمد بن المثنى أبو معاوية ، [ ص: 9 ] قال : حدثني ، عن الأعمش ، عن شقيق أبي وائل مسروق ، عن عائشة ، قالت : ( ( ) ) . ما ترك رسول الله دينارا ، ولا درهما ، ولا شاة ، ولا بعيرا ، ولا أوصى بشيء
33224 - وقال ، عن ابن المبارك ، عن مالك بن مغول ، قال : قلت طلحة بن مصرف لابن أبي أوفى : أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ قال : لا . قال : قلت : فكيف أمر الناس بالوصية ؟ قال : . أوصى بكتاب الله عز وجل
33225 - وقد ذكرنا ذلك في ( ( التمهيد ) ) .
33226 - واختلف السلف في ، أو [ ص: 10 ] تجب عند من أوجبها . مقدار المال الذي تستحب فيه الوصية
33227 - فروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : ستمائة درهم أو سبعمائة درهم ليست بمال فيه وصية .
33228 - وروي عنه أنه قال : ألف درهم مال فيه وصية ، وهذا يحتمل لمن شاء .
33229 - وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : من ترك مالا يسيرا ، فليدعه لورثته ، فهو أفضل .
33230 - وهذا - والله أعلم - أخذه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( ) ) . لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس
33231 - وقال : لا وصية في ثمانمائة درهم . ابن عباس
33232 - وقالت عائشة في امرأة لها أربع من الولد ، ولها ثلاثة آلاف درهم : لا وصية في مالها .
33233 - وقال : الخير - يعني في آية الوصية - ألف درهم إلى [ ص: 11 ] خمسمائة . إبراهيم النخعي
33234 - وعن عائشة أنها قالت : من ترك ثمانمائة درهم لم يترك خيرا ، فلا يوص .
33235 - وقال قتادة في قوله عز وجل : إن ترك خيرا الوصية [ البقرة : 180 ] ، وقال : الخير ألف فما فوقها .
33236 - واتفق فقهاء الأمصار على أن الوصية مندوب إليها ، مرغوب فيها ، وأنها جائزة لمن أوصى في كل مال ، قل أو كثر ، ما لم يتجاوز الثلث .
33237 - وممن قال بهذا : مالك ، والثوري وأبو حنيفة ، ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، والشافعي وأحمد ، وإسحاق .
33238 - وروي ذلك عن جماعة من السلف .
33239 - وقد قيل : إن آية الوصية نسختها آية المواريث .
33240 - قال ذلك : مالك ، وجماعة من العلماء قبله ، وبعده .
33241 - حدثني عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني أحمد بن محمد المروزي ، قال : حدثني علي بن [ ص: 12 ] حسين بن واقد ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين كانت الوصية كذلك حتى نسختها آية المواريث .
33242 - وقد بين ذلك علي بن أبي طلحة في روايته ، عن ، وإن كانت مرسلة فمعناها صحيح في البيان ، لا اختلاف فيه إذ كان لا يرث مع الوالدين غيرهم إلا وصية إن كان للأقربين ، ثم أنزل الله عز وجل : ابن عباس ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث [ النساء : 11 ] قال : فبين الله عز وجل ميراث الأبوين ، وأمر بوصية الأقربين في ثلث مال الميت .
33243 - قال أبو عمر : هكذا قال : ( ( والأقربون الذين تجوز لهم الوصية ليسوا بوارثين ) ) ، وهذا إجماع من علماء المسلمين أنه لا وصية لوارث ، وأن المنسوخ من آية الوصية الوالدان على كل حال إذا كانا على دين ولدهما; لأنهما حينئذ - وارثان لا يحجبان ، وكذلك كل وارث من الأقربين ; لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ( ) ) . لا وصية لوارث
[ ص: 13 ] 33244 - ولو كان الوارث تجب له الوصية لانتقضت قسمة الله لهم فيما ورثهم وصار لهم أكثر مما أعطاهم .
33245 - فمن هنا قال العلماء : إن آية المواريث نسخت الوصية للوالدين والأقربين الوارثين ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
33246 - وهذا قول كل من لا يجيز . وقد قال : لا ينسخ القرآن إلا بالقرآن . نسخ القرآن بالسنة
33247 - وهو قول ، وأصحابه ، وأكثر المالكيين ، الشافعي وداود ، وسموا السنة بيانا ، لا نسخا .
33248 - وأما الكوفيون الذين يجيزون نسخ القرآن بالسنة ، وقالوا : كل من عند الله ، فإنهم قالوا : نسخ الوالدين والأقربين الوارثين من الوصية قوله صلى الله عليه وسلم : ( ( ) ) . لا وصية لوارث
33249 - حدثني ، سعيد بن نصر ، قالا : أخبرنا وعبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، عن إسماعيل بن عياش شرحبيل بن مسلم سمعه يقول : سمعت يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : ( ( أبا أمامة الباهلي ) ) . إن الله قد أعطى [ ص: 14 ] كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث
33250 - وقد ذكرنا الحديث من طرق عن في ( ( التمهيد ) ) . إسماعيل بن عياش
33251 - وحدثني ، قال : حدثني محمد بن عبد الملك ، قال : حدثني ابن الأعرابي ، قال : حدثني الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن سعيد بن أبي عروبة قتادة ، عن ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم عمرو بن خارجة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم ، وهو على راحلته ، فقال : ( ( ) ) . إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ، فلا تجوز وصية لوارث
33252 - قال أبو عمر : أجمع العلماء على القول بأن لا وصية لوارث ، وعلى العمل بذلك قطعا منهم على صحة هذا الحديث ، وتلقيا منهم له بالقبول ، فسقط الكلام في إسناده .
33253 - واختلفوا في ، هل هي واجبة لهم أم لا ؟ الوصية للأقربين غير الوارثين
[ ص: 15 ] 33254 - فقال : الأكثر من العلماء : ليست بواجبة لهم ; لأن أصلها الندب كما وصفنا .
33255 - وقالوا : أفضل . الوصية للأقربين إذا كانوا محتاجين
33256 - وقال داود ، وأهل الظاهر : الوصية للأقربين غير الوارثين واجبة ; لأنها لم تنسخ ، وإنما انتسخ الوارثون ، والآية عندهم على الإيجاب كما قدمنا عنهم .
33257 - واختلفوا فيمن : أوصى لغير قرابته ، وترك قرابته الذين لا يرثون
33258 - فقال : : ترد وصيته على قرابته . طاوس
33259 - وروي عن الحسن مثله .
33260 - وقال الضحاك : من أوصى لغير قرابته ، فقد ختم عمله بمعصية .
33261 - وقال ، سعيد بن المسيب - : من أوصى لغير قرابته بثلثه رد إلى قرابته من ذلك ثلثا الثلث ، ويمضي لمن أوصى له ثلث الثلث . وجابر بن زيد - أبو الشعثاء
33262 - وروي مثل هذا عن الحسن أيضا .
33263 - وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في ( ( التمهيد ) ) .
[ ص: 16 ] 33264 - وبه قال . إسحاق بن راهويه
33265 - وقال مالك ، ، والشافعي وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، ، والثوري ، والأوزاعي : من أوصى لغير قرابته ، وترك قرابته محتاجين ، فبئس ما صنع ، وفعله مع ذلك ماض جائز لكل من أوصى له من غني وفقير ، قريب وبعيد ، مسلم وكافر . وأحمد بن حنبل
33266 - وهو معنى ما روي عن عمر ، وعائشة .
33267 - وهو قول ، ابن عمر . وابن عباس
33268 - وهو قول عطاء ، ومجاهد ، ، وسعيد بن جبير وقتادة .
33269 - وروي عن أنه أوصى لأمهات أولاده . عمر بن الخطاب
33270 - وعن عائشة أنها أوصت لمولاتها .
33271 - وقد روي عن أنه سئل عمن أوصى لغير قرابته بثلثه ؟ [ ص: 17 ] فقال : يمضي ، ولو أوصى أن يلقى ثلثه في البحر . جابر بن زيد
33272 - قال : أما في البحر ، فلا ، ولكن يمضي كما قال . ابن سيرين
33273 - وقد روي عن أنه قال : للرجل ثلثه يطرحه في البحر إن شاء . الشعبي
33274 - وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ( ) ) . إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم
33275 - وقد ذكرنا الإسناد في هذا وعن كل من ذكرنا في ( ( التمهيد ) ) .
33276 - واحتج - رحمه الله - على من لم يجز الوصية لغير القرابة بحديث الشافعي عمران بن حصين . في الذي أعتق ستة أعبد له في مرضه عند موته ، لا مال له غيرهم ، فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة
[ ص: 18 ] 33277 - فهذه وصية لهم في ثلثه ; لأن فقد أجاز لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الوصية بعتقهم ، وهم - لا محالة - من غير قرابته . أفعال المريض كلها وصية في ثلثه
33278 - قال أبو عمر : هذا كله فيمن أوصى لغير وارث ، وأما ، فلا تجوز وصيته بإجماع ، وأوصى لغير وارث ، وهو يريد به الوارث ، فقد حاف وجار ، وأتى الجنف والجنف في اللغة الميل ، وهو في الشريعة : الإثم والميل عن الحق . من أوصى لوارث
33279 - روى ، الثوري ومعمر ، عن ، عن أبيه قال : الجنف : أن يوصي لابن ابنته ، وهو يريد ابنته . ابن طاوس
33280 - حدثني عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني عبدة بن عبد الله ، قال : حدثني ، قال : حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثني نصر بن علي الحداني الأشعث بن جابر الحداني قال : حدثني أن شهر بن حوشب حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ( أبا هريرة ) ) ، وقرأ إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين ، أو سبعين سنة ، ثم يحضرها الموت ، فيضاران في الوصية ، فتجب لهما النار : أبو هريرة من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار [ النساء : 12 ] .
[ ص: 19 ] 33281 - وأخبرنا محمد بن خليفة ، قال : حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني ، قال : حدثني إبراهيم بن موسى ، قال : حدثني يوسف بن موسى أبو معاوية ، عن ، عن داود بن أبي هند عكرمة ، عن ، قال : الإضرار في الوصية من الكبائر ، ثم قرأ : ابن عباس غير مضار . . [ النساء : 12 ] إلى قوله : تلك حدود الله [ النساء : 13 ] وإلى قوله : ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده [ الآية : النساء : 14 ] .
33282 - واتفق الجمهور من فقهاء الأمصار على أن ، فإن أجازها الورثة بعد الموت جازت ، وإن ردوها فهي مردودة . الوصية للوارث موقوفة على إجازة الورثة
33283 - ولهم في إجازته إذا أجازها الورثة قولان :
33284 - ( أحدهما ) : أن إجازتهم لها تنفيذ منهم لما أوصى به الميت ، وحكمها حكم وصية الميت .
33285 - ( والأخرى ) : أنها لا تكون وصية أبدا ، وإنما هي من قبل الورثة عطية وهبة للموصى له على حكم العطايا والهبات عندهم .
33286 - وقد اختلف أصحاب مالك على هذين القولين أيضا .
[ ص: 20 ] 33287 - وحجة من قال : الوصية للوارث جائزة إذا أجازها الورثة ما حدثنا محمد بن خليفة ، قال : حدثني محمد بن الحسن ، قال : حدثني إبراهيم بن الهيثم الناقد ، قال : حدثني ، قال : حدثني أبو معمر القطيعي حجاج ، عن ، عن ابن جريج عطاء ، عن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( ابن عباس ) ) . لا وصية لوارث ، إلا أن يجيزها الورثة
33288 - وهذا الحديث لا يصح عندهم مسندا ، وإنما هو من قول ، كذلك رواية الثقات له عن ابن عباس ، وإنما رفعه ابن جريج ، ولا يصح رفعه . أبو معمر القطيعي
33289 - وقال المزني ، وداود بن علي ، وجماعة أهل الظاهر : لا تجوز الوصية للوارث أجازها الورثة أو لا ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ( ) ) ولم يقل إلا أن يجيزها الورثة ، وحسبهم أن يعطوه من أموالهم ما شاءوا . لا وصية لوارث
33290 - وقال المزني : إنما منع الوارث من الوصية; لئلا يأخذ مال الميت [ ص: 21 ] من وجهين مختلفين .
33291 - قال أبو عمر : من حجة من أجاز تجويز الورثة الوصية للوارث اتفاقهم على أنه إن ، وأجازه الورثة جاز ، فالوصية للوارث مثل ذلك ، والله أعلم . أوصى بأكثر من الثلث
33207 - وقال فيه : عن الزهري سالم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ( ) ) . لا ينبغي لأحد يبيت ثلاثا ، إلا ووصيته مكتوبة عنده
33208 - وقد ذكرنا اختلاف ألفاظ الناقلين لهذا الحديث في ( ( التمهيد ) ) .
[ ص: 7 ] 33209 - وفي هذا الحديث . الحض على الوصية ، والتأكيد في ذلك
33210 - وأجمع الجمهور على أن غير واجبة على أحد إلا أن يكون عليه دين ، أو يكون عنده وديعة ، أو أمانة ، فيوصي بذلك . الوصية
33211 - وشذ أهل الظاهر ، فأوجبوا الوصية فرضا إذا ترك الرجل مالا كثيرا ، ولم يوقتوا في وجوبها شيئا ، والفرائض لا تكون إلا مؤقتة معلومة ، والله أعلم .
33212 - وقد استدل بعض العلماء على أن الوصية غير واجبة بقوله عز وجل في آية الوصية : بالمعروف حقا على المتقين [ البقرة : 180 ] ، والمعروف : التطوع بالإحسان ، قالوا : والواجب يستوي فيه المتقون وغيرهم من أهل الدين .
33213 - واستدل غيره بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص وهذا لا يحتج له; لأن ما تخلفه صلى الله عليه وسلم من شيء تصدق به ، ولم يترك شيئا .
33214 - قالت عائشة - رضي الله عنها - : ( ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ، ولا درهما ، ولا شاة ، ولا بعيرا ، ولا أوصى بشيء ) ) .
33215 - وقال صلى الله عليه وسلم ( ( إنا لا نورث ما تركنا فهو صدقة ) ) .
33216 - فأي وصية أعظم من هذه أن تكون تركته كلها صدقة ، لا ميراث فيها ، وإنما ندب إلى الوصية من أمته من ترك مالا يورث عنه .
[ ص: 8 ] 33217 - قال الله عز وجل : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية [ البقرة : 180 ] .
33218 - وأجمعوا أن الخير المال في قوله عز وجل في آية الوصية إن ترك خيرا . . .
33219 - وكذلك قوله في الإنسان : وإنه لحب الخير لشديد [ العاديات : 8 ] ، الخير عندهم هنا المال .
33220 - كذلك قوله عز وجل حاكيا عن سليمان عليه السلام : إني أحببت حب الخير [ ص : 32 ] .
33221 - [ كذلك قوله حاكيا عن شعيب عليه السلام : إني أراكم بخير [ هود : 84 ] ، قالوا : الغنى .
33222 - وقد جاء في مواضع من القرآن ذكر الخير بمعنى المال ، والغنى ، ومن لم يترك دينارا ولا درهما ، ولا شاة ، ولا بعيرا ، فلم يترك خيرا ، ولا مالا يوصى فيه .
33223 - حدثني ، قال : حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن عبد السلام ، قال : حدثني محمد بن المثنى أبو معاوية ، [ ص: 9 ] قال : حدثني ، عن الأعمش ، عن شقيق أبي وائل مسروق ، عن عائشة ، قالت : ( ( ) ) . ما ترك رسول الله دينارا ، ولا درهما ، ولا شاة ، ولا بعيرا ، ولا أوصى بشيء
33224 - وقال ، عن ابن المبارك ، عن مالك بن مغول ، قال : قلت طلحة بن مصرف لابن أبي أوفى : أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ قال : لا . قال : قلت : فكيف أمر الناس بالوصية ؟ قال : . أوصى بكتاب الله عز وجل
33225 - وقد ذكرنا ذلك في ( ( التمهيد ) ) .
33226 - واختلف السلف في ، أو [ ص: 10 ] تجب عند من أوجبها . مقدار المال الذي تستحب فيه الوصية
33227 - فروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : ستمائة درهم أو سبعمائة درهم ليست بمال فيه وصية .
33228 - وروي عنه أنه قال : ألف درهم مال فيه وصية ، وهذا يحتمل لمن شاء .
33229 - وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : من ترك مالا يسيرا ، فليدعه لورثته ، فهو أفضل .
33230 - وهذا - والله أعلم - أخذه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( ) ) . لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس
33231 - وقال : لا وصية في ثمانمائة درهم . ابن عباس
33232 - وقالت عائشة في امرأة لها أربع من الولد ، ولها ثلاثة آلاف درهم : لا وصية في مالها .
33233 - وقال : الخير - يعني في آية الوصية - ألف درهم إلى [ ص: 11 ] خمسمائة . إبراهيم النخعي
33234 - وعن عائشة أنها قالت : من ترك ثمانمائة درهم لم يترك خيرا ، فلا يوص .
33235 - وقال قتادة في قوله عز وجل : إن ترك خيرا الوصية [ البقرة : 180 ] ، وقال : الخير ألف فما فوقها .
33236 - واتفق فقهاء الأمصار على أن الوصية مندوب إليها ، مرغوب فيها ، وأنها جائزة لمن أوصى في كل مال ، قل أو كثر ، ما لم يتجاوز الثلث .
33237 - وممن قال بهذا : مالك ، والثوري وأبو حنيفة ، ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، والشافعي وأحمد ، وإسحاق .
33238 - وروي ذلك عن جماعة من السلف .
33239 - وقد قيل : إن آية الوصية نسختها آية المواريث .
33240 - قال ذلك : مالك ، وجماعة من العلماء قبله ، وبعده .
33241 - حدثني عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني أحمد بن محمد المروزي ، قال : حدثني علي بن [ ص: 12 ] حسين بن واقد ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين كانت الوصية كذلك حتى نسختها آية المواريث .
33242 - وقد بين ذلك علي بن أبي طلحة في روايته ، عن ، وإن كانت مرسلة فمعناها صحيح في البيان ، لا اختلاف فيه إذ كان لا يرث مع الوالدين غيرهم إلا وصية إن كان للأقربين ، ثم أنزل الله عز وجل : ابن عباس ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث [ النساء : 11 ] قال : فبين الله عز وجل ميراث الأبوين ، وأمر بوصية الأقربين في ثلث مال الميت .
33243 - قال أبو عمر : هكذا قال : ( ( والأقربون الذين تجوز لهم الوصية ليسوا بوارثين ) ) ، وهذا إجماع من علماء المسلمين أنه لا وصية لوارث ، وأن المنسوخ من آية الوصية الوالدان على كل حال إذا كانا على دين ولدهما; لأنهما حينئذ - وارثان لا يحجبان ، وكذلك كل وارث من الأقربين ; لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ( ) ) . لا وصية لوارث
[ ص: 13 ] 33244 - ولو كان الوارث تجب له الوصية لانتقضت قسمة الله لهم فيما ورثهم وصار لهم أكثر مما أعطاهم .
33245 - فمن هنا قال العلماء : إن آية المواريث نسخت الوصية للوالدين والأقربين الوارثين ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
33246 - وهذا قول كل من لا يجيز . وقد قال : لا ينسخ القرآن إلا بالقرآن . نسخ القرآن بالسنة
33247 - وهو قول ، وأصحابه ، وأكثر المالكيين ، الشافعي وداود ، وسموا السنة بيانا ، لا نسخا .
33248 - وأما الكوفيون الذين يجيزون نسخ القرآن بالسنة ، وقالوا : كل من عند الله ، فإنهم قالوا : نسخ الوالدين والأقربين الوارثين من الوصية قوله صلى الله عليه وسلم : ( ( ) ) . لا وصية لوارث
33249 - حدثني ، سعيد بن نصر ، قالا : أخبرنا وعبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، عن إسماعيل بن عياش شرحبيل بن مسلم سمعه يقول : سمعت يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : ( ( أبا أمامة الباهلي ) ) . إن الله قد أعطى [ ص: 14 ] كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث
33250 - وقد ذكرنا الحديث من طرق عن في ( ( التمهيد ) ) . إسماعيل بن عياش
33251 - وحدثني ، قال : حدثني محمد بن عبد الملك ، قال : حدثني ابن الأعرابي ، قال : حدثني الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن سعيد بن أبي عروبة قتادة ، عن ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم عمرو بن خارجة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم ، وهو على راحلته ، فقال : ( ( ) ) . إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ، فلا تجوز وصية لوارث
33252 - قال أبو عمر : أجمع العلماء على القول بأن لا وصية لوارث ، وعلى العمل بذلك قطعا منهم على صحة هذا الحديث ، وتلقيا منهم له بالقبول ، فسقط الكلام في إسناده .
33253 - واختلفوا في ، هل هي واجبة لهم أم لا ؟ الوصية للأقربين غير الوارثين
[ ص: 15 ] 33254 - فقال : الأكثر من العلماء : ليست بواجبة لهم ; لأن أصلها الندب كما وصفنا .
33255 - وقالوا : أفضل . الوصية للأقربين إذا كانوا محتاجين
33256 - وقال داود ، وأهل الظاهر : الوصية للأقربين غير الوارثين واجبة ; لأنها لم تنسخ ، وإنما انتسخ الوارثون ، والآية عندهم على الإيجاب كما قدمنا عنهم .
33257 - واختلفوا فيمن : أوصى لغير قرابته ، وترك قرابته الذين لا يرثون
33258 - فقال : : ترد وصيته على قرابته . طاوس
33259 - وروي عن الحسن مثله .
33260 - وقال الضحاك : من أوصى لغير قرابته ، فقد ختم عمله بمعصية .
33261 - وقال ، سعيد بن المسيب - : من أوصى لغير قرابته بثلثه رد إلى قرابته من ذلك ثلثا الثلث ، ويمضي لمن أوصى له ثلث الثلث . وجابر بن زيد - أبو الشعثاء
33262 - وروي مثل هذا عن الحسن أيضا .
33263 - وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في ( ( التمهيد ) ) .
[ ص: 16 ] 33264 - وبه قال . إسحاق بن راهويه
33265 - وقال مالك ، ، والشافعي وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، ، والثوري ، والأوزاعي : من أوصى لغير قرابته ، وترك قرابته محتاجين ، فبئس ما صنع ، وفعله مع ذلك ماض جائز لكل من أوصى له من غني وفقير ، قريب وبعيد ، مسلم وكافر . وأحمد بن حنبل
33266 - وهو معنى ما روي عن عمر ، وعائشة .
33267 - وهو قول ، ابن عمر . وابن عباس
33268 - وهو قول عطاء ، ومجاهد ، ، وسعيد بن جبير وقتادة .
33269 - وروي عن أنه أوصى لأمهات أولاده . عمر بن الخطاب
33270 - وعن عائشة أنها أوصت لمولاتها .
33271 - وقد روي عن أنه سئل عمن أوصى لغير قرابته بثلثه ؟ [ ص: 17 ] فقال : يمضي ، ولو أوصى أن يلقى ثلثه في البحر . جابر بن زيد
33272 - قال : أما في البحر ، فلا ، ولكن يمضي كما قال . ابن سيرين
33273 - وقد روي عن أنه قال : للرجل ثلثه يطرحه في البحر إن شاء . الشعبي
33274 - وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ( ) ) . إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم
33275 - وقد ذكرنا الإسناد في هذا وعن كل من ذكرنا في ( ( التمهيد ) ) .
33276 - واحتج - رحمه الله - على من لم يجز الوصية لغير القرابة بحديث الشافعي عمران بن حصين . في الذي أعتق ستة أعبد له في مرضه عند موته ، لا مال له غيرهم ، فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، فأعتق اثنين ، وأرق أربعة
[ ص: 18 ] 33277 - فهذه وصية لهم في ثلثه ; لأن فقد أجاز لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الوصية بعتقهم ، وهم - لا محالة - من غير قرابته . أفعال المريض كلها وصية في ثلثه
33278 - قال أبو عمر : هذا كله فيمن أوصى لغير وارث ، وأما ، فلا تجوز وصيته بإجماع ، وأوصى لغير وارث ، وهو يريد به الوارث ، فقد حاف وجار ، وأتى الجنف والجنف في اللغة الميل ، وهو في الشريعة : الإثم والميل عن الحق . من أوصى لوارث
33279 - روى ، الثوري ومعمر ، عن ، عن أبيه قال : الجنف : أن يوصي لابن ابنته ، وهو يريد ابنته . ابن طاوس
33280 - حدثني عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني عبدة بن عبد الله ، قال : حدثني ، قال : حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثني نصر بن علي الحداني الأشعث بن جابر الحداني قال : حدثني أن شهر بن حوشب حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ( أبا هريرة ) ) ، وقرأ إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين ، أو سبعين سنة ، ثم يحضرها الموت ، فيضاران في الوصية ، فتجب لهما النار : أبو هريرة من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار [ النساء : 12 ] .
[ ص: 19 ] 33281 - وأخبرنا محمد بن خليفة ، قال : حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثني ، قال : حدثني إبراهيم بن موسى ، قال : حدثني يوسف بن موسى أبو معاوية ، عن ، عن داود بن أبي هند عكرمة ، عن ، قال : الإضرار في الوصية من الكبائر ، ثم قرأ : ابن عباس غير مضار . . [ النساء : 12 ] إلى قوله : تلك حدود الله [ النساء : 13 ] وإلى قوله : ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده [ الآية : النساء : 14 ] .
33282 - واتفق الجمهور من فقهاء الأمصار على أن ، فإن أجازها الورثة بعد الموت جازت ، وإن ردوها فهي مردودة . الوصية للوارث موقوفة على إجازة الورثة
33283 - ولهم في إجازته إذا أجازها الورثة قولان :
33284 - ( أحدهما ) : أن إجازتهم لها تنفيذ منهم لما أوصى به الميت ، وحكمها حكم وصية الميت .
33285 - ( والأخرى ) : أنها لا تكون وصية أبدا ، وإنما هي من قبل الورثة عطية وهبة للموصى له على حكم العطايا والهبات عندهم .
33286 - وقد اختلف أصحاب مالك على هذين القولين أيضا .
[ ص: 20 ] 33287 - وحجة من قال : الوصية للوارث جائزة إذا أجازها الورثة ما حدثنا محمد بن خليفة ، قال : حدثني محمد بن الحسن ، قال : حدثني إبراهيم بن الهيثم الناقد ، قال : حدثني ، قال : حدثني أبو معمر القطيعي حجاج ، عن ، عن ابن جريج عطاء ، عن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( ابن عباس ) ) . لا وصية لوارث ، إلا أن يجيزها الورثة
33288 - وهذا الحديث لا يصح عندهم مسندا ، وإنما هو من قول ، كذلك رواية الثقات له عن ابن عباس ، وإنما رفعه ابن جريج ، ولا يصح رفعه . أبو معمر القطيعي
33289 - وقال المزني ، وداود بن علي ، وجماعة أهل الظاهر : لا تجوز الوصية للوارث أجازها الورثة أو لا ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ( ) ) ولم يقل إلا أن يجيزها الورثة ، وحسبهم أن يعطوه من أموالهم ما شاءوا . لا وصية لوارث
33290 - وقال المزني : إنما منع الوارث من الوصية; لئلا يأخذ مال الميت [ ص: 21 ] من وجهين مختلفين .
33291 - قال أبو عمر : من حجة من أجاز تجويز الورثة الوصية للوارث اتفاقهم على أنه إن ، وأجازه الورثة جاز ، فالوصية للوارث مثل ذلك ، والله أعلم . أوصى بأكثر من الثلث