الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1498 [ ص: 59 ] ( 6 ) باب ما جاء في المؤنث من الرجال

                                                                                                                        ومن أحق بالولد

                                                                                                                        1469 - مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه; أن مخنثا كان عند أم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لعبد الله بن أبي أمية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 60 ] يسمع : يا عبد الله ، إن فتح الله عليكم الطائف غدا ، فأنا أدلك على ابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ( لا يدخلن هؤلاء عليكم ) ) .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        33469 - قال أبو عمر : هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة ( ( الموطأ ) ) عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه مرسلا ، إلا سعد بن أبي مريم ، فإنه رواه عن مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن أم سلمة .

                                                                                                                        33470 - ولم يسمعه عروة من أم سلمة ; لأن ابن عيينة وغيره رووه عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أمها أم سلمة .

                                                                                                                        33471 - وهذا أصح أسانيده عندي ، وقد ذكرته في ( ( التمهيد ) ) .

                                                                                                                        [ ص: 61 ] 33472 - ورواه معمر ، عن الزهري ، وهشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : كان يدخل على بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث ، فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، وهو عند بعض نسائه ، وهو ينعت امرأة ، فقال : إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( ألا أرى هذا يعلم ما هاهنا ، لا يدخلن هذا عليكن ) ) فحجبوه .

                                                                                                                        33473 - قال أبو عمر : إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخلن عليكم هذا ، ولم يقل عليكن; لأنه خاطب الرجال ألا يدخل بيوتهم على نسائهم ، فحجبوه .

                                                                                                                        33474 - فهكذا رواية مالك وغيره : ( ( عليكم ) ) ، وقد روي : ( ( لا يدخلن هذا عليكن ) ) مخاطبة منه لنسائه ، والله أعلم .

                                                                                                                        33475 - حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى ، قال : حدثني محمد بن أحمد قال : حدثني يحيى بن محمد بن زياد ، قال : حدثني أحمد بن عبد الجبار ، قال : [ ص: 62 ] حدثني يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أم سلمة ، قالت : كان عندي مخنث ، فقال لعبد الله أخي : إن فتح الله عليكم الطائف غدا ، فإني أدلك على ابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقال : ( ( لا يدخلن هؤلاء عليكم ) ) .

                                                                                                                        33476 - وبه عن يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته ، فاختة ابنة عمرو بن عائذ مخنث ، يقال له : ماتع ، يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون في بيته ، ولا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يفطن بشيء من أمر النساء مما يفطن إليه الرجال ، ولا يرى أن له في ذلك إربا ، فسمعه يقول لخالد بن الوليد : يا خالد ، إن فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف ، فلا ينفلتن منكم بادية ابنة غيلان بن سلمة ، فإنها تقبل بأربع ، وتدبر بثمان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمعها منه : ( ( لا أرى هذا الخبيث يفطن لما أسمع ) ) ثم قال : لنسائه : ( ( لا يدخلن عليكن ) ) ، فحجب عن بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        33477 - هكذا قال ابن إسحاق في هذا المؤنث أن اسمه ماتع ، ولم يقله غيره فيما علمت ، والأكثر على أن اسمه ( ( هيت ) ) .

                                                                                                                        33478 - كذلك ذكر حبيب عن مالك ، وكذلك رواه ابن عيينة ، عن [ ص: 63 ] ابن جريج أن اسم ذلك المخنث هيت ، وهو قول الواقدي ، وابن الكلبي .

                                                                                                                        33479 - وقال ابن إسحاق : وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى خالته ، فاختة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومي .

                                                                                                                        33480 - وقال ابن الكلبي : كان هيت المخنث مولى لعبد الله بن أمية أخي أم سلمة ، قال : وكان طويس مولى عبد الله بن أبي أمية أيضا .

                                                                                                                        33481 - وقال ابن إسحاق : فقال لخالد بن الوليد ، وقالوا كلهم : فقال لعبد الله بن أبي أمية .

                                                                                                                        33482 - كذلك في الحديث المسند ، وهو الصواب ، وهو قول ابن إسحاق ، وغيره ، استشهد يوم الطائف عبد الله بن أبى أمية أخو أم سلمة .

                                                                                                                        33483 - وفي رواية ابن الكلبي ، والواقدي أن هيتا هذا المخنث قال لعبد الله بن أبي أمية ، وهو أخو أم سلمة لأبيها ، وأمه عاتكة : يا عبد الله - وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة - : إن افتتحتم الطائف ، فعليك ببادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي فإنها تقبل بأربع ، وتدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان إن قعدت تثنت ، وإن تكلمت تغنت بين رجليها مثل الإناء المكفو ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله ) ) ، ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى . قال : فلما افتتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف ، فولدت له بريهة .

                                                                                                                        [ ص: 64 ] 33484 - هذا قول ابن الكلبي ، قال : ولم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما ولي أبو بكر كلم فيه ، فأبى أن يرده ، فلما ولي عمر كلم فيه ، وقيل : إنه قد كبر ، وضعف ، واحتاج ، فأذن له أن يدخل كل جمعة ، فيسأل الناس ، ثم يرجع إلى مكانه .

                                                                                                                        33485 - وأما قوله : تقبل بأربع وتدبر بثمان ، فقد فسره حبيب عن مالك ، وذكر غيره بأكثر من ذلك من معناه بما نذكره هاهنا أن المرأة وصفها المخنث بأنها امرأة لها في بطنها أربع عكن تبلغ خصرتها ، فتصير لها أربعة أطراف في كل خصر ، فتصير ثمانيا أربعا من هنا وأربعا من هنا ، فإذا أقبلت إليك واستقبلتها رأيت في بطنها أربع عكن ، فإذا أدبرت رأيت ثمانيا من جهة الأطراف في خصريها .

                                                                                                                        33486 - هكذا فسره كل من تكلم في هذا الحديث ، واستشهد بعضهم عليه بقول النابغة في قوائم ناقته :


                                                                                                                        على هضبات بينما هن أربع أنخن لتعريس فعدن ثمانيا



                                                                                                                        33487 - وقد روي خبر هذا المخنث من حديث سعد بن أبي وقاص بتمامه ، وقد ذكرناه في ( ( التمهيد ) ) .

                                                                                                                        33488 - وفي هذا الحديث من الفقه أنه لا يجوز دخول أحد من المخنثين ، وهم الذين يدعون عندنا المؤنثين على النساء ، وأنهم ليسوا من الذين قال الله فيهم : [ ص: 65 ] غير أولي الإربة من الرجال [ النور : 31 ]

                                                                                                                        33489 - وهذه الصفة هو الأبله الأحمق العنين الذي لا إرب له في النساء ، ولا يفطن بشيء من معايبهن ، ومحاسنهن ، فمن كان بهذه الصفة لم يكن بدخوله على الناس بأس; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن بهيت المخنث أنه ممن هذه صفته ، فلما سمع منه ما سمع أمر بأن لا يدخل على النساء ، ثم أخرجه من المدينة ، ونفاه عنها .

                                                                                                                        33490 - وهذا أصل في كل من يتأذى به ، ولا يقدر على الاحتراس منه أن ينفى إلى مكان يؤمن فيه منه الأذى .

                                                                                                                        33491 - قال أبو عمر : قد صحف قوم من الرواة اسم ابنة غيلان هذه ، والصواب فيه ( ( بادية ) ) بالباء والياء ، وهو مأخوذ من بدا يبدو أي ظهر ، فكأنها سميت ظاهرة .

                                                                                                                        33492 - هذا معنى ما ذكره الزبير وغيره ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية