الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب بيع المكاتب

                                                                                                          قال مالك إن أحسن ما سمع في الرجل يشتري مكاتب الرجل أنه لا يبيعه إذا كان كاتبه بدنانير أو دراهم إلا بعرض من العروض يعجله ولا يؤخره لأنه إذا أخره كان دينا بدين وقد نهي عن الكالئ بالكالئ قال وإن كاتب المكاتب سيده بعرض من العروض من الإبل أو البقر أو الغنم أو الرقيق فإنه يصلح للمشتري أن يشتريه بذهب أو فضة أو عرض مخالف للعروض التي كاتبه سيده عليها يعجل ذلك ولا يؤخره قال مالك أحسن ما سمعت في المكاتب أنه إذا بيع كان أحق باشتراء كتابته ممن اشتراها إذا قوي أن يؤدي إلى سيده الثمن الذي باعه به نقدا وذلك أن اشتراءه نفسه عتاقة والعتاقة تبدأ على ما كان معها من الوصايا وإن باع بعض من كاتب المكاتب نصيبه منه فباع نصف المكاتب أو ثلثه أو ربعه أو سهما من أسهم المكاتب فليس للمكاتب فيما بيع منه شفعة وذلك أنه يصير بمنزلة القطاعة وليس له أن يقاطع بعض من كاتبه إلا بإذن شركائه وأن ما بيع منه ليست له به حرمة تامة وأن ماله محجور عنه وأن اشتراءه بعضه يخاف عليه منه العجز لما يذهب من ماله وليس ذلك بمنزلة اشتراء المكاتب نفسه كاملا إلا أن يأذن له من بقي له فيه كتابة فإن أذنوا له كان أحق بما بيع منه قال مالك لا يحل بيع نجم من نجوم المكاتب وذلك أنه غرر إن عجز المكاتب بطل ما عليه وإن مات أو أفلس وعليه ديون للناس لم يأخذ الذي اشترى نجمه بحصته مع غرمائه شيئا وإنما الذي يشتري نجما من نجوم المكاتب بمنزلة سيد المكاتب فسيد المكاتب لا يحاص بكتابة غلامه غرماء المكاتب وكذلك الخراج أيضا يجتمع له على غلامه فلا يحاص بما اجتمع له من الخراج غرماء غلامه قال مالك لا بأس بأن يشتري المكاتب كتابته بعين أو عرض مخالف لما كوتب به من العين أو العرض أو غير مخالف معجل أو مؤخر قال مالك في المكاتب يهلك ويترك أم ولد وأولادا له صغارا منها أو من غيرها فلا يقوون على السعي ويخاف عليهم العجز عن كتابتهم قال تباع أم ولد أبيهم إذا كان في ثمنها ما يؤدى به عنهم جميع كتابتهم أمهم كانت أو غير أمهم يؤدى عنهم ويعتقون لأن أباهم كان لا يمنع بيعها إذا خاف العجز عن كتابته فهؤلاء إذا خيف عليهم العجز بيعت أم ولد أبيهم فيؤدى عنهم ثمنها فإن لم يكن في ثمنها ما يؤدى عنهم ولم تقو هي ولا هم على السعي رجعوا جميعا رقيقا لسيدهم قال مالك الأمر عندنا في الذي يبتاع كتابة المكاتب ثم يهلك المكاتب قبل أن يؤدي كتابته أنه يرثه الذي اشترى كتابته وإن عجز فله رقبته وإن أدى المكاتب كتابته إلى الذي اشتراها وعتق فولاؤه للذي عقد كتابته ليس للذي اشترى كتابته من ولائه شيء

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          5 - باب بيع المكاتب

                                                                                                          هو من مجاز الحذف ، أي كتابته المكاتب بدليل المسائل التي ذكرها في الترجمة ; إذ كلها في كتابته لا رقبته ؛ ولأن أشهر قوليه منع بيع رقبته ، ومر الجواب عما يقتضيه حديث بريرة .

                                                                                                          - ( مالك : إن أحسن ما سمع ) وفي نسخة : سمعت ( في الرجل يشتري مكاتب الرجل ) أي كتابته بدليل قوله : ( إذا كان كاتبه بدنانير أو دراهم إلا بعرض من العروض ) لا بنقد لئلا يكون فيه صرف مؤخر ( ويعجله ولا يؤخره ) أتى به ; لأن التعجيل يصدق بما إذا كان معه تأخير قليل ( لأنه إذا أخره كان دينا ) أي يبيعه ( بدين ، وقد نهي ) بالبناء للمفعول للعلم بالفاعل صلى الله عليه وسلم ( عن الكالئ بالكالئ ) بالهمزة وهو الدين بالدين . ( وإن كاتب المكاتب سيده بعرض من العروض من الإبل أو البقر أو الغنم أو الرقيق ، فإنه يصلح ) يجوز ( للمشتري أن يشتريه بذهب أو فضة أو عرض مخالف للعروض التي كاتبه سيده عليها يعجل ذلك ولا يؤخره ) لئلا يكون دينا بدين . ( مالك : أحسن ما سمعت في المكاتب أنه إذا بيع ) أي بيعت كتابته لقوله : ( كان أحق باشتراء كتابته ممن اشتراها إذا قوي أن يؤدي إلى سيده الثمن الذي باعه به [ ص: 188 ] نقدا ، وذلك أن اشتراءه نفسه عتاقة ) بفتح العين ووهم من كسرها ( والعتاقة تبدى على ما كان معها من الوصايا ) لتشوف الشرع للحرية أقوى من مطلق الوصية . ( وإن باع بعض من كاتب المكاتب نصيبه منه فباع نصف المكاتب أو ثلثه أو ربعه أو سهما من أسهم المكاتب فليس للمكاتب فيما بيع منه شفعة و ) وجه ( ذلك أنه يصير بمنزلة القطاعة ، وليس له أن يقاطع بعض من كاتبه إلا بإذن شركائه ، وأن ما بيع منه ليست له به حرمة تامة ) لعدم خروجه حرا ( وأن ماله محجور عنه ، وأن اشتراء بعضه يخاف عليه منه العجز لما يذهب من ماله ، وليس ذلك بمنزلة اشتراء المكاتب نفسه كاملا ) لأنه يعتق بمجرده . ( إلا أن يأذن له من بقي له فيه كتابة ) باشتراء البعض المبيع من كتابته ( وإن أذنوا له كان أحق بما بيع منه ) من غيره . ( قال مالك : لا يحل بيع نجم من نجوم المكاتب ) وهو القدر المعين الذي يؤديه المكاتب في وقت معين ، وأصله أن العرب كانوا يبنون أمورهم في المعاملة على طلوع النجم والمنازل ، لكونهم لا يعرفون الحساب يقولون : إذا طلع النجم الفلاني أديت حقك فسميت الأوقات نجوما بذلك ثم سمي المؤدى في الوقت نجما ( وذلك أنه غرر ) لأنه لا يعلم هل يكون له أو لا لأنه ( إن عجز المكاتب بطل ما عليه ، وإن مات أو أفلس وعليه ديون للناس لم يأخذ الذي اشترى نجمه بحصته مع غرمائه شيئا ) بل يختصون دونه ( وإنما الذي يشتري نجما من نجوم المكاتب بمنزلة سيد المكاتب ، فسيد المكاتب لا يحاص بكتابة غلامه غرماء المكاتب ) [ ص: 189 ] فكذا المشتري منه ( وكذلك الخراج أيضا ) المجعول من السيد على العبد كل يوم مثلا ( يجتمع له على غلامه فلا يحاص بما اجتمع له من الخراج غرماء غلامه ) بل يكون لهم دونه . ( ولا بأس بأن يشتري المكاتب كتابته بعين أو عرض مخالف لما كوتب به من العين أو العرض أو غير مخالف ) بل موافق كذهب بذهب أو فرس بفرس ( معجل أو مؤخر ) لأن الكتابة ليست كالديون الثابتة ولا كالمعارضة المحضة ، فيجوز فيها ما منع في ذلك ، وهو فسخ ما على المكاتب في شيء مؤخر عليه ، وفسخ ما عليه من ذهب في ورق وعكسه ، ومثله التعجيل على إسقاط بعض ما عليه وهو ضع وتعجل وسلف يجر منفعة ونحو ذلك ، وظاهره سواء عجل العتق أم لا ، وهو قول مالك ، وابن القاسم ومنعه سحنون إلا بشرط تعجيل العتق .

                                                                                                          ( قال مالك في المكاتب يهلك ) بكسر اللام ، يموت ( ويترك أم ولد وأولادا له صغارا منها أو من غيرها ، فلا يقوون ) يقدرون ( على السعي ، ويخاف عليهم العجز عن كتابتهم ، قال : تباع أم ولد أبيهم إذا كان في ثمنها ما يؤدى به عنهم جميع كتابتهم أمهم كانت أو غير أمهم يؤدى عنهم ) ثمنها للسيد ( ويعتقون ؛ لأن أباهم كان لا يمنع بيعها إذا خاف العجز عن كتابته فهؤلاء ) بمنزلته ( إذا خيف عليهم العجز ، بيعت أم ولد أبيهم فيؤدى عنهم ) ثمنها ( فإن لم يكن في ثمنها ما يؤدى عنهم ، ولم تقو هي ولا هم على السعي رجعوا جميعا رقيقا لسيدهم ) وبطلت الكتابة . ( والأمر عندنا في الذي يبتاع كتابة المكاتب ثم يهلك [ ص: 190 ] المكاتب قبل أن يؤدي كتابته أنه يرثه ) أي يأخذ ماله ( الذي اشترى كتابته ، وإن عجز فله رقبته ) ملكا ( وإن أدى المكاتب كتابته إلى الذي اشتراها وعتق فولاؤه للذي عقد كتابته ) وهو بائعها ( ليس للذي اشترى كتابته من ولائه شيء ) لأنه ثبت للعاقد وهو لا ينتقل .




                                                                                                          الخدمات العلمية