الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب جامع تحريم الخمر

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري أنه سأل عبد الله بن عباس عما يعصر من العنب فقال ابن عباس أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الله حرمها قال لا فساره رجل إلى جنبه فقال له صلى الله عليه وسلم بم ساررته فقال أمرته أن يبيعها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي حرم شربها حرم بيعها ففتح الرجل المزادتين حتى ذهب ما فيهما

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          5 - باب جامع تحريم الخمر

                                                                                                          1598 1540 - ( مالك عن زيد بن أسلم ) بفتح فسكون العدوي مولاهم المدني التابعي ( عن ابن وعلة ) بفتح الواو وسكون العين المهملة واسمه عبد الرحمن ( المصري ) التابعي الصدوق .

                                                                                                          وفي رواية ابن وهب عن مالك عن زيد عن عبد الرحمن بن وعلة السبائي من أهل مصر ( أنه سأل عبد الله بن عباس ) رضي الله عنهما ( عما يعصر من العنب فقال ابن عباس : أهدى رجل ) هو كيسان الثقفي كما رواه أحمد من حديثه ( لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر ) أي مزادة وأصل الراوية البعير يحمل الماء ، والهاء فيه للمبالغة ، ثم أطلقت الراوية على كل دابة يحمل عليها الماء ثم على المزادة ، ولفظ رواية أحمد عن كيسان : " أنه كان يتجر في الخمر وأنه أقبل من الشام فقال : يا رسول الله إني جئتك بشراب جيد " .

                                                                                                          وعنده أيضا عن ابن عباس : " كان للنبي صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ) بالفتح وخفة الميم ولابن وهب هل ( علمت أن الله حرمها ) بآية : إنما الخمر والميسر إلى فاجتنبوه لعلكم تفلحون ( سورة المائدة : الآية 90 ) ( قال لا ) أي لم أعلم بذلك ( فساره ) بالتثقيل ( رجل إلى جنبه ) وفي رواية أحمد عن ابن عباس : فأقبل الرجل على غلامه فقال : بعها .

                                                                                                          ولابن وهب : فسار إنسانا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بم ساررته ؟ ) بأي شيء كلمته سرا ؟ أي خفية ( قال : أمرته ببيعها ) لينتفع بحقها ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ) الله ( الذي حرم شربها حرم بيعها ) لأنه قال : رجس أي نجس وهو لا يصح بيعه ولأنه يؤدي إلى شربها .

                                                                                                          وفي حديث كيسان قال : إنها قد حرمت وحرم [ ص: 273 ] ثمنها .

                                                                                                          ( ففتح الرجل المزادتين ) بفتح الميم والزاي ، تثنية مزادة القربة ; لأنه يتزود فيها الماء ( حتى ذهب ما فيهما ) من الخمر .

                                                                                                          ففيه وجوب إراقته لفعله ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم وأقره عليه .

                                                                                                          وقد اختلف في وقت تحريم الخمر فقيل سنة أربع وقيل سنة ست ، وقيل سنة ثمان قبل فتح مكة .

                                                                                                          قال الحافظ : وهو الظاهر لرواية أحمد عن ابن عباس : أن الرجل المهدي راوية الخمر لقيه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح .

                                                                                                          وروى أحمد وأبو يعلى عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر ، فلما كان عام حرمت جاء براويته فقال : أشعرت أنها قد حرمت بعدك ؟ قال : أفلا أبيعها وأنتفع بحقها ؟ فنهاه ، ففي هذا تأييد الوقت المذكور ، فإن إسلام تميم كان بعد الفتح .

                                                                                                          وروى أصحاب السنن عن عمر أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء ، فنزلت : قل فيهما إثم كبير ( سورة البقرة : الآية 219 ) فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء فنزلت : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( سورة النساء : الآية 43 ) فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء ، فنزلت آية المائدة إلى قوله : فهل أنتم منتهون ( سورة المائدة الآية 91 ) قال عمر : انتهينا .

                                                                                                          صححه علي بن المديني والترمذي انتهى .

                                                                                                          وبحديث عمر قد يجمع بين الأقوال الثلاثة باحتمال أن كل مرة كانت في سنة منها .

                                                                                                          وزعم مغلطاي أنها حرمت في شوال سنة ثلاث .

                                                                                                          والواقدي أنه عقب قول حمزة : إنما أنتم عبيد لأبي يعني سنة اثنين .

                                                                                                          ويدل عليه حديث الصحيح عن جابر : اصطبح الخمر ناس يوم أحد فقتلوا من يومهم جميعا شهداء .

                                                                                                          ثم احذر أن يخطر ببالك أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب الخمر قبل تحريمها ، فلا يلزم من إهداء الراوية إليه كل عام قبل التحريم أن يشرب بل يهديها أو يتصدق بها ، أو نحو ذلك ، وقد صانه الله تعالى من قبل النبوة عما يخالف شرعه ، وهو لم يشرب الخمر المحضر من الجنة ليلة المعراج ، وهذا الحديث رواه مسلم في البيع من طريق ابن وهب عن مالك به ، وتابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم ، وتابعه يحيى بن سعيد عن أبي وعلة في مسلم أيضا .




                                                                                                          الخدمات العلمية