الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( ولا يستوفى القصاص إلا بالسيف ) وقال الشافعي رحمه الله : يفعل به مثل ما فعل إن كان فعلا مشروعا فإن مات وإلا تحز رقبته لأن مبنى القصاص على المساواة . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { لا قود إلا بالسيف }والمراد به السلاح ، ولأن فيما ذهب إليه استيفاء الزيادة لو لم يحصل المقصود بمثل ما فعل فيحز فيجب التحرز عنه كما في كسر العظم .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الرابع : قال عليه السلام : { لا قود إلا بالسيف }; قلت : روي من حديث أبي بكرة ; ومن حديث النعمان بن بشير ; ومن حديث ابن مسعود ; ومن حديث أبي هريرة ; ومن حديث علي . [ ص: 339 ]

                                                                                                        فحديث أبي بكرة : أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن الحر بن مالك عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا قود إلا بالسيف }انتهى . ورواه البزار في " مسنده " ، وقال : لا نعلم أحدا أسنده بأحسن من هذا الإسناد ، ولا نعلم أحدا قال : عن أبي بكرة إلا الحر بن مالك ، وكان لا بأس به ، وأحسبه أخطأ في هذا الحديث ، لأن الناس يروونه عن الحسن مرسلا ، انتهى .

                                                                                                        قلت : بل تابعه الوليد بن صالح ، كما أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " فأخرجاه عن الوليد بن محمد بن صالح الأيلي عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا ; ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بالوليد ، وقال : أحاديثه غير محفوظة انتهى . قال البيهقي : ومبارك بن فضالة لا يحتج به انتهى .

                                                                                                        قلت : أخرج له ابن حبان في " صحيحه " ، والحاكم في " المستدرك " ، ووثقه ، والمرسل الذي أشار إليه البزار رواه أحمد في " مسنده " حدثنا هشيم ثنا أشعث بن عبد الملك عن الحسن ، مرفوعا : { لا قود إلا بحديدة }انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عيسى بن يونس عن أشعث ، وعمرو عن الحسن مرفوعا نحوه .

                                                                                                        وأما حديث النعمان : فأخرجه ابن ماجه أيضا عن جابر الجعفي عن أبي عازب عن النعمان بن بشير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا قود إلا بالسيف }انتهى .

                                                                                                        ورواه البزار في " مسنده " ، ولفظه ، قال : { القود بالسيف ، ولكل خطأ أرش } ، وقال : لا نعلم من رواه عن النعمان إلا أبا عازب ، ولا عن أبي عازب إلا جابرا الجعفي انتهى .

                                                                                                        وقال عبد الحق في " أحكامه " : وأبو عازب مسلم بن عمرو لا أعلم من روى عنه إلا جابرا [ ص: 340 ] الجعفي انتهى قال ابن الجوزي في " التحقيق " : وجابر الجعفي اتفقوا على ضعفه ، قال في " التنقيح " : وقال في موضع آخر : وجابر الجعفي فقد وثقه الثوري ، وشعبة ، وناهيك بهما ، فكيف يقول هذا ، ثم يحكي الاتفاق على ضعفه ؟ هذا تناقض بين ، قال : وأبو عازب اسمه مسلم بن عمرو ، وقاله أبو حاتم ، وغيره ، وهو غير معروف ، وقال غيرهم : اسمه مسلم بن أراك ، كما تقدم تسميته ، عند الدارقطني في حديث القتل بالمثقل ، قال البيهقي في " المعرفة " : وطرق هذا الحديث كلها ضعيفة ، وبهذا الإسناد رواه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " بلفظ : { كل شيء خطأ إلا السيف }; ورواه الطبراني في " معجمه " بلفظ : { كل شيء خطأ إلا السيف ، والحديدة } ، وفي لفظ له : قال : { لا عمد إلا بالسيف } ، وسيأتي ، وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن النعمان بن بشير .

                                                                                                        وأما حديث ابن مسعود : فرواه الطبراني في " معجمه " حدثنا الحسين بن السميدع الأنطاكي ثنا موسى بن أيوب النصيبي ثنا بقية بن الوليد عن أبي معاذ عن عبد الكريم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ، مرفوعا نحوه سواء ، وكذلك أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن إبراهيم ، ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بعبد الكريم ، وضعفه عن جماعة .

                                                                                                        وأما حديث أبي هريرة : فأخرجه الدارقطني في " سننه في الحدود " عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه سواء ، قال الدارقطني : وسليمان بن أرقم متروك انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بسليمان بن أرقم ، وأسند عن البخاري ، وأبي داود ، والنسائي ، وأحمد ، وابن معين ، قالوا : هو متروك .

                                                                                                        وأما حديث علي : فأخرجه الدارقطني أيضا عن معلى بن هلال عن أبي إسحاق [ ص: 341 ] عن عاصم بن ضمرة عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا قود في النفس وغيرها إلا بحديدة }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : ومعلى بن هلال متروك انتهى . أحاديث الخصوم :

                                                                                                        وللشافعي في المماثلة بالقصاص أحاديث : منها حديث أنس : { إنما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء } ، أخرجه مسلم .

                                                                                                        وبحديث اليهودي ، أخرجه البخاري ، ومسلم { عن أنس أيضا أن جارية من الأنصار ، قتلها رجل من اليهود ، على حلي لها ، رض رأسها بين حجرين ، فسألوها من صنع بك هذا ؟ فلان ؟ فلان ؟ حتى ذكروا لها يهوديا ، فأومأت برأسها ، فأخذ اليهودي ، فأقر ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة }انتهى .

                                                                                                        ذكره البخاري في " باب الإشارة في الطلاق " هكذا ، وفيه أنه أقر ، قال البيهقي في المعرفة " : ولا يعارض هذا بحديث أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أن يرجم ، فرجم حتى مات } ، رواه البخاري ، ومسلم أيضا ، لأن الرجم ، والرض ، والرضخ كله عبارة عن الضرب بالحجارة ، قال : ولا يجوز فيه أيضا دعوى النسخ ، لحديث النهي عن المثلة ، إذ ليس فيه تاريخ ، ولا سبب يدل على النسخ ، قال : ويمكن الجمع بينهما بأنه إنما نهى عن المثلة بمن وجب عليه القتل ابتداء ، لا على طريق المكافأة انتهى .

                                                                                                        قال السهيلي في " الروض الأنف " : واستدل الشافعي أيضا بقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ، وبقوله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به }انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية