الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ قول الأشباه : القاضي إذا قضى في مجتهد فيه نفذ قضاؤه إلا في مسائل إلخ ] أي فينقض فيها حكم الحاكم . قال ابن المصنف الشيخ صالح بن محمد بن عبد الله في حاشيته عليها المسماة بزواهر الجواهر في التفسير على الأشباه والنظائر ، وقد ظفرت بمسائل أخر فزدتها تتميما للفائدة ، وقسمتها على ثلاثة أقسام [ ص: 493 - 495 ] الأول ما لم يختلف مشايخنا فيه والثاني ما اختلفوا فيه والثالث ما لا نص فيه عن الإمام . واختلف أصحابنا فيه وتعارضت فيه تصانيفهم . [ ص: 496 ] فمن القسم الأول ] إذا باع دارا وقبضها المشتري واستحقت منه وتعذر على البائع ردها فقضي على البائع للمشتري بدار مثلها في المواضع والخطة والذرع والبناء ، كقول عثمان البستي : ثم رفع لقاض آخر أبطله وألزم برد الثمن فقط إلا أن يكون أحدث بناء أو غرسا فيلزمه بقيمة ذلك مع الثمن .

التالي السابق


مطلب القاضي إذا قضى في مجتهد فيه نفذ قضاؤه إلا في مسائل ( قوله : قول الأشباه القاضي إذا قضى إلخ ) عبارته مع زيادة تفسير للتوضيح : القاضي إذا قضى في مجتهد نفذ قضاؤه إلا في مسائل نص أصحابنا فيها على عدم النفاذ لو قضى ببطلان الحق بمضي المدة أي خلافا لمن قال : إذا لم يخاصم ثلاث سنين وهو في المصر بطل حقه لأنه قول مهجور فلا ينفذ قضاء القاضي فيه إذا رفع إلى آخر أبطله وجعل المدعي على حقه كما في الخانية . قلت : الظاهر أنه ليس المراد من هذا القول بطلان الحق في الآخرة بل بطلان الدعوى به ، لكن كونه مهجورا ليس على إطلاقه ، بل هو معمول عندنا قامت قرينة على بطلان الدعوى كما تقدم في مسائل السكوت من عدم سماع الدعوى إذا سكت عند بيع القريب أو أحد الزوجين ، أو سكت مع الاطلاع على تصرف المشتري ، أو سكت ثلاثا وثلاثين سنة مطلقا فتنبه لذلك قال : أو بالتفريق للعجز على الإنفاق غائبا على الصحيح لا حاضرا : أي فإنه إذا حكم شافعي على الزوج الحاضر بالفرقة لعجزه عن النفقة نفذ حكمه عندنا ، بخلاف الغائب لأن عجزه غير معلوم فلا ينفذ في الصحيح كما في الذخيرة لظهور مجازفة الشهود ، وقدمنا تمام الكلام على ذلك [ ص: 493 ] في النفقة فافهم قال : أو بصحة نكاح مزنية أبيه أو ابنه لم يصح عند أبي يوسف أي لأن حرمته منصوص عليها في الكتاب العزيز : لأن النكاح لغة الوطء . وعند محمد ينفذ لأن هذا النص ظاهر والتأويل فيه سائغ .

قال : أو بصحة نكاح أم مزنيته أو بنتها : أي على الخلاف السابق ، وستأتي في عبارة الزواهر في القسم الثاني قال : أو بنكاح المتعة أي لأنها منسوخة ، وقد صح رجوع ابن عباس عن القول بجوازها قال : أو بسقوط المهر بالتقادم أي بأن لم يخاصم زوجها فيه حتى مضت مدة طويلة ثم خاصمته يبطل حقها في الصداق ، والقاضي لا يلتفت إلى خصومتها شرح أدب القضاء ، فلو قضى عليها ببطلانه لم ينفذ قال : أو بعدم تأجيل العنين : أي فلو رفع قضاؤه لقاض أبطله وأجل الزوج حولا خانية ، قال : أو بعدم صحة الرجعة بلا رضاها أي لمخالفته { - وبعولتهن أحق بردهن - } قال : أو بعدم وقوع الثلاث على الحبلى ، أو بعدم وقوعها قبل الدخول ، أو بعدم الوقوع على الحائض أو بعدم وقوع ما زاد على الواحدة أو بعدم وقوع الثلاث بكلمة : أي لمخالفته قوله تعالى { - فإن طلقها فلا تحل له - } لأن المراد به الطلقة الثالثة ، فمن قال : لا يقع شيء أو تقع واحدة فقد أثبت الحل للزوج الأول بدون الزوج الثاني وهو خلاف الكتاب ، فلا ينفذ القضاء به شرح أدب القضاء .

قلت : فما ذكر في الفتاوى المنسوبة إلى ابن كمال باشا من وقوع طلقة واحدة لا يعول عليه ، ومن أفتى به من أهل عصرنا فهو جاهل كما أوضحته في إفتاء طويل قال : أو بعدم وقوعه على الموطوءة عقبه عبارته في البحر ، أو بعدم وقوع الطلاق في طهر جامعها فيه . قال : أو بنصف الجهاز لمن طلقها قبل الوطء بعد المهر والتجهيز : أي لو طلقها قبل الدخول بعدما قبضت المهر وتجهزت به فقضى القاضي للزوج بنصف الجهاز لرأيه أن الزوج بدفع المهر رضي بتصرفها فيه فصار كأن الزوج اشتراه بنفسه وساقه إليها ثم طلقها قبل الدخول فله نصفه لم ينفذ لأنه قضاء بخلاف النص ، لأنه - تعالى - جعل له نصف المفروض أي المسمى في العقد والجهاز غير مسمى فلا يتنصف ا هـ ملخصا من حاشية الأشباه عن المحيط . قال : أو بشهادة بخط أبيه أي شهادته على شيء بسبب رؤيته بخط أبيه قال في شرح أدب القضاء : صورته أن الرجل إذا مات فوجد ابنه خط أبيه في صك وعلم يقينا أنه خط أبيه يشهد بذلك الصك لأن الابن خليفة الميت في جميع الأشياء ، لكن هذا قول مهجور إلخ .

قلت : وزاد في البحر بعد هذه المسألة أو بشاهد ويمين ، أو في الحدود والقصاص بشهادة رجل وامرأتين ، أو بما في ديوانه وقد نسي ، وبشهادة شاهد على صك لم يذكر ما فيه إلا أنه يعرف خطه وخاتمه ، أو بشهادة من شهد على قضية مختومة من غير أن تقرأ عليه وبقضاء المرأة في حد أو قود ا هـ لكن صرح في الفصولين بنفاذه في هذه المواضع وإنما حكي خلافا في الأول فقط ، ولعله أسقطها من الأشباه لهذا ، والله - تعالى - أعلم . قال : أو في قسامة بقتل : أي قضي فيما فيه القسامة بالقتل . وصورته كما في شرح أدب القضاء ما قاله بعض العلماء : إذا كان بين المدعى عليه والقتيل عداوة ظاهرة ولا يعرف له عداوة على غير المدعى عليه وبين دخوله في المحلة ووجود القتيل مدة قريبة فالقاضي يحلف الولي على دعواه ; فإذا حلف قضي له بالقصاص ، وهو خلاف السنة وإجماع الصحابة ، بل فيه الدية والقسامة عندنا قال : أو بالتفريق بين الزوجين بشهادة المرضعة أو قضي لولده أي لأنه قضاء لنفسه من وجه . أما لو قضي بشهادة الابن لأبيه أو بالعكس ففيه خلاف بين الصحابة ثم وقع الإجماع على بطلانه فينفذ قضاؤه عند أبي يوسف بناء على أن الإجماع المتأخر لا يرفع الخلاف السابق عنده .

وعند محمد لا ينفذ بناء على أنه يرفعه عنده فلم يكن قضاء في فصل مجتهد فيه . قال : أو رفع إليه حكم صبي أو عبد أو كافر ، أي لو قضى بما حكم به هؤلاء [ ص: 494 ] لا ينفذ لأن حكمهم غير نافذ . قال : أو الحاكم بحجر سفيه ، يعني لو حجر القاضي على سفيه فأطلقه آخر جاز وبطل قضاء الأول فليس لقاض ثالث أن ينفذه لأن الأول ليس قضاء بل فتوى لعدم المقضي له ، ولئن كان قضاء فنفسه مجتهد فيه فلا يكون حجة ما لم يمضه قاض آخر كما لو قضى المحدود في قذف لا يكون حجة ما لم يتصل به الإمضاء من قاض آخر ، هذا حاصل ما في شرح أدب القضاء من باب الحجر ، وبه علم أنه كان عليه أن يقول أو الحكم بحجر سفيه أبطله قاض آخر ; فإنه حينئذ لو رفع إلى ثالث لا ينفذه . أما لو أجازه الثاني لزم الثالث تنفيذه فافهم . قال : أو بصحة بيع نصيب الساكت من قن حرره أحدهما أي حرره أحد الشريكين معسرا كما في البحر : أي لو باع الساكت نصفه وقضى القاضي به ثم اختصموا إلى آخر فإنه يبطله لأن الصحابة اتفقوا على أنه لا يجوز استدامة الرق فيه كما في شرح أدب القضاء قال : أو بيع متروك التسمية عمدا : أي عند الثاني ، وهو الأصح : وقالا : ينفذ كما في خزانة الأكمل . قال : أو ببيع أم الولد . على الأظهر ، وقيل : ينفذ على الأصح : أي الأظهر عدم النفاذ عند محمد لأنه اختلف فيه بين الصحابة : ثم وقع الإجماع على عدم جوازه ، وبه يرتفع الخلاف السابق عنده كما مر . وعندهما لا يرتفع فينفذ البيع . وذكر السرخسي أن الأكثر على عدم النفاذ ، وقدمنا تمام الكلام على ذلك في باب التدبير ، فراجعه فإنه مهم .

قال : أو ببطلان عفو المرأة عن القود : أي لو قتل زوجها أو أبوها عمدا فعفت على القاتل فأبطله من لا يرى للنساء حقا في القصاص ثم قبل القود رفع إلى قاض آخر فإنه لا ينفذه ويحكم بصحة العفو وبطلان القود لمخالفته للجمهور ، وإن كان بعد القود فالقاضي الثاني لا يتعرض بشيء ، لكن ذكر في شرح أدب القضاء أن هذا التفصيل غير سديد بل السديد أنه بعد القود يلزمه أي القائد القصاص لو عالما لأنه قتل شخصا محقون الدم ، ولو جاهلا فالدية . قال : أو بصحة ضمان الخلاص ، أي بأن قال البائع أو أجنبي للمشتري : إن استحقت الدار المشتراة من يدك فأنا ضامن لك استخلاصها بالبيع أو بالهبة وأسلمها إليك ، فهذا الضمان باطل لأنه ضمن ما ليس له قدرة على الوفاء به ، والقائل بأنه يصح لم يستند إلى قياس صحيح فالقضاء به باطل . وفسر أبو يوسف ومحمد الخلاص بالرجوع بالثمن عند الاستحقاق الدرك والعهدة واحد عندهما ، وحينئذ فالقضاء به صحيح وإذا رفع إلى آخر لا يبطله ، وتمامه في شرح أدب القضاء .

قال : أو بزيادة أهل المحلة في معلوم الإمام من أوقاف المسجد : أي إذا كانت بلا موجب وإلا فقد ذكرنا في فروع الفصل الأول من كتاب الوقف أنه يجوز للقاضي زيادة مرسوم الإمام إذا كان يتعطل المسجد بدونها ، أو كان فقيرا أو عالما تقيا . قال : أو بحل المطلقة ثلاثا بمجرد عقد الثاني : أي بلا دخول كما هو قول سعيد بن المسيب لأنه مخالف للآثار المشهورة كما في القنية ، نعم في قضاء الفتح عن الفصول : إذا طلقها الثاني بعد الدخول ، ثم تزوجها ثانيا في العدة ثم طلقها قبل الدخول فتزوجها الأول قبل انقضاء العدة وحكم بصحته نفذ ، إذ للاجتهاد فيه مساغ وهو صريح قوله تعالى : { - يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن - } الآية ، وهو مذهب زفر ا هـ وقدمنا الكلام على هذه المسألة في الطلاق فراجعه . قال : أو بعدم ملك الكافر مال المسلم بإحرازه بدارهم ، أي دار أهل الحرب لأنه لم يثبت فيه اختلاف بين الصحابة كما في فتح القدير ، فكان القضاء به مخالفا لإجماعهم .

قال : أو بيع درهم بدرهمين يدا بيد : أي لو قضى ببيع الفضة بالفضة متفاضلا مع القابض كما هو قول ابن عباس لم يصح إذ لم يوافقه غيره عليه . قال : أو بصحة صلاة المحدث ، أي لو قال : إن صليت صلاة صحيحة فأمرك بيدك فرعف في أثناء صلاته وقضى قاض بصحتها وبأنه صار أمر المرأة بيدها ، فللحنفي إبطاله لعدم وجود الشرط المأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام ، " من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم " كما في حاشية الأشباه عن تنوير الأذهان فتأمل [ ص: 495 ] قال : أو بقسامة على أهل محلة بتلف المال أي إذا تلف مال إنسان في محلة فقضى بضمانهم بالقسامة قياسا على النفس فهو باطل لمخالفته للإجماع ، فللثاني أن ينقضه كما في شرح أدب القضاء . قال : أو بحد القذف بالتعرض ، أي كقوله أما أنا فلست بزان ، وقال به عمر رضي الله تعالى عنه ، وهو قول مهجور خالفه فيه علي رضي الله تعالى عنه ، فللقاضي الثاني أن يبطله ويجعل ذلك المحدود مقبول الشهادة كما في شرح أدب القضاء قال : أو بالقرعة في معتق البعض : أي في مريض أعتق بعض عبيده بغير عينه ، لكن صرح الخصاف في أدب القضاء بنفاذه ، نعم نقل في تنوير الأذهان عن المحيط أنه ينفذ لأنه مجتهد فيه .

وعن أبي يوسف لا ينفذ لأن استعمال القرعة نوع قمار قال : أو بعدم تصرف المرأة في مالها بغير إذن زوجها لم ينفذ في الكل : أي في كل هذه المسائل ، هذا ما حررته من البزازية والعمادية والصيرفية والتتارخانية ا هـ كلام الأشباه بزيادات توضحه مع ذكر المسائل التي زادها في البحر وذكر في البحر أيضا عقب ذلك عن السبكي أن القضاء ينقض عند الحنفية إذا كان حكما لا دليل عليه . مطلب ما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص والحكم به حكم بلا دليل وما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص وهو حكم لا دليل عليه ، سواء كان نصه في الوقف نصا أو ظاهرا ا هـ وهذا موافق لقول مشايخنا كغيرهم ، شرط الواقف كنص الشارع فيجب اتباعه كما صرح به في شرح المجمع للمصنف . ا هـ . ( قوله الأول ما لم يختلف مشايخنا فيه ) أي في نقضه ، وكذا هو مرجع الضمير بعده ، وأراد بالمشايخ الإمام وصاحبيه وأراد بالأصحاب في قوله واختلف أصحابنا فيه الصاحبين ط .

مطلب المراد بأصحابنا أئمتنا الثلاثة ، وبالمشايخ من لم يدرك الإمام قلت : لكن المشهور إطلاق أصحابنا على أئمتنا الثلاثة أبي حنيفة وصاحبيه كما ذكره في شرح الوهبانية ، وأما المشايخ ففي وقف النهر عن العلامة قاسم أن المراد بهم في الاصطلاح من لم يدرك الإمام ( قوله : والثالث ما لا نص فيه عن الإمام ) أي لا نص فيه ظاهر يعتمد عليه ، فلا ينافي قوله الآتي في قسم الثالث إذا حكم بالشاهد واليمين في الأموال ثم رفع إلى حاكم يرى خلافه نقضه عند الثاني ، وعن الإمام لا أفاده ط ( قوله : وتعارضت فيه تصانيفهم ) أي تصانيف الأصحاب بمعنى أهل المذهب . مطلب قضايا القضاة على ثلاثة أقسام قال في جامع الفصولين : قضايا القضاة على ثلاثة أقسام : الأول حكمه بخلاف نص وإجماع وهذا باطل ، فلكل من القضاة نقضه إذا رفع إليه ، وليس لأحد أن يجيزه . الثاني حكمه فيما اختلف فيه وهو ينفذ وليس لأحد نقضه . والثالث حكمه لشيء يتعين فيه الخلاف بعد الحكم فيه : أي يكون الخلاف في نفس الحكم فقيل : نفذ وقيل : توقف على إمضاء آخر ، فلو أمضاه يصير كالقاضي الثاني إذا حكم في مختلف فيه فليس للثاني نقضه ، فلو أبطله الثاني بطل ، وليس لأحد أن يجيزه . ا هـ . ط وسيأتي تمام الكلام على هذه الثلاثة في كتاب القضاء إن شاء [ ص: 496 ] الله - تعالى - ( قوله وتعذر على البائع ردها ) أي إلى المشتري ( قوله : في المواضع ) أي المساكن والخطة : أي المحلة والذرع أي عدد الأذرع ا هـ ح ( قوله : كقول عثمان البستي ) هذا خلاف ما في الزواهر ، فإن الذي فيها أن عثمان البستي قال : إذا رفع إلى قاض آخر أبطله إلخ .




الخدمات العلمية