الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الثالثة : الأفعال باعتبار تعليقها بمفعولاتها على الاستيعاب وعدمه على أربعة أقسام : أحدها : ما يستوعب ليس إلا ، نحو اشتريت الدار ، وأكلت الرغيف فلا يحمل على البعض إلا مجازا . قال ابن المنير في تفسيره الكبير " : ومن ثم أشكل مذهب مالك - رحمه الله - في تحنيث الحالف ببعض المحلوف عليه ، فإنه إلزام له بمقتضى خلاف حقيقة لفظه ، وحمل عليه أنه أراد المجاز ، وهو يقول : ما أردته فاحملوا لفظي على الحقيقة ، أو عسى أن مكلفا قدر الجملة في المعنى بالأجزاء فكان معنى لفظه عنده لا أكلت جزءا من الرغيف . وأخذ ذلك في أجوبة الدعاوى فيما إذا قال : لا تستحق علي العشرة ، فإن محمل النفي على الأجزاء أي : ولا شيء منها ، ولهذا يلزمه في أجوبة الدعاوى ، ولا شيء منها [ ص: 252 ] مع قرينة كون الحالف في مثله يريد الاجتناب ومباعدة المحلوف عليه ، فمتى أكل الرغيف إلا لقمة فإنه مقصود الاجتناب .

                                                      الثاني : مقابل الأول لا يقتضي الفعل في الاستيعاب ، كقولك : شج زيد عمرا ، فلا خفاء أنه لا يريد إلا جرحه في رأسه خاصة بعض الوجه ولا تكون الشجة إلا كذلك ، ومنه ضربت زيدا . الثالث : كالثاني إلا أن العرف هو المانع للاستيعاب ، كقولك : جعلت الخيط في الإبرة ، وليس المراد وقفته على جملة الإبرة ، وكقوله تعالى : { جعلوا أصابعهم في آذانهم } . الرابع : يختلف الحال فيه بدخول حرف الجر فيه وعدمه ، ومنه عند الشافعي فعل المسح إن اقترن بالباء كان للتبعيض ، وإلا للاستيعاب ، وكذلك ما يقول أبو علي في السير واليوم لو قلت : سرت اليوم فظاهره الاستيعاب ، وإن قلت : سرت في اليوم فظاهره عدم الاستيعاب ، وتتحقق الظرفية بدخول " في " وتغلب الاسمية بسقوطها ، ولهذا كان الأولى حين تتحقق الظرفية النصب .

                                                      تقول : سرت اليوم فيه ، وحين تغلب الاسمية الرفع تقول : اليوم سرته ، وينبني على هذا الفرق أحكام كثيرة . منها : لو قال : أنت طالق في يوم السبت يقع بطلوع الفجر ، ولو نوى وقوعه في آخره يدين ، ولم يقبل ظاهرا عندنا ، وقال أبو حنيفة : يقبل ، وخالفه صاحباه . وجعل السروجي مأخذهما أن حذف حرف الجر وإثباته سواء ; لأنه ظرف في الحالين فصار كما لو قال : صمت يوم الجمعة ، وفي يوم الجمعة ، فإن الحكم فيهما سواء ، ولأبي حنيفة أن الحذف للحرف قد يحدث معنى لا يكون مع إثباته ; لأن " في " قد تفيد التبعيض في الظرف الداخل عليه إلا أن يمنع مانع ، ولهذا قالوا في قولهم : سرت فرسخا وسرت في فرسخ : إن الظاهر في الأول الاستغراق في السير وفي الآخر عدمه ، وقوله : إلا أن يمنع مانع حتى يخرج صمت في يوم الجمعة ، فإن صوم بعض [ ص: 253 ] اليوم لا يمكن ، وردوا صمت شهر رمضان أو شهر رمضان إلى الأصل الأول أن صوم الشهر يقبل التبعيض .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية