الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

فمن اجتاز بالمواقيت لقصد الحج والعمرة، فعليه الإحرام بالسنة المستفيضة واتفاق العلماء، كما قال ابن عباس في الحديث المتفق عليه ، وقال: وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، وأهل الشام الجحفة، وأهل نجد قرنا، وأهل اليمن يلملم، وقال: "هن لهن ولكل آت أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك [ ص: 206 ] فمن أهله، حتى أهل مكة يهلون منها".

وإذا اجتاز بالمواقيت لا يريد الحرم، فليس عليه الإحرام بالاتفاق.

وإن اجتاز بها يريد مكة لتجارة أو زيارة أو غير ذلك مما لا يتكرر، فإنه ينبغي له أن يدخل محرما بحج أو عمرة. وهل ذلك واجب؟ فيه قولان للعلماء، والجمهور على الوجوب، وهو مأثور عن ابن عباس، حكاه عنه أحمد وغيره، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، وهو المشهور في مذهب الشافعي وأحمد. وعنهما أن ذلك مستحب.

ومن قال بالوجوب تنازعوا فيما إذا ترك ذلك، هل يلزمه القضاء؟

فأوجبه أبو حنيفة، ولم يوجبه الباقون. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "ممن يريد الحج والعمرة" لا ينافي هذا القول، فإن هؤلاء يوجبون عليه أن يريد الحج أو العمرة، لكن الحديث فيه نفي ذلك عمن لا يريده، مثل المجتاز بالمواقيت إلى غير مكة.

ولو كان منزله بالمواقيت أو دونها لم يوجب أبو حنيفة عليه الإحرام، وأوجبه مالك والشافعي وأحمد - على قولهما بالوجوب -، وقد حكى الطحاوي الأول عن مالك.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو وخلفاؤه لم يدخل أحد منهم مكة إلا محرما، إلا عام الفتح، فإنه دخل وعلى رأسه المغفر ، ولم يكن محرما، لأن الله أحل له القتال فيها يومئذ، وقال: "إنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار" . وقال: "فإن [ ص: 207 ] أحد ترخص بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها فقولوا: إنما أحلها الله لرسوله، ولم يحلها لك، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها أمس" .

التالي السابق


الخدمات العلمية