الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6662 ) مسألة : قال : ولو رمى ، وهو مسلم كافرا عبدا ، فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم ، فلا قود ، وعليه دية حر مسلم ، إذا مات من سهمه هذا قول ابن حامد ، ومذهب الشافعي . وقال أبو بكر : يجب القود ; لأنه قتل مكافئا له ظلما عمدا ، فوجب [ ص: 246 ] القصاص ، كما لو كان حرا مسلما حال الرمي ، يحققه أن الاعتبار بحال الجناية ، بدليل ما لو رمى مسلما حيا ، فلم يقع به السهم حتى ارتد أو مات ، لم يلزمه شيء ، ولو رمى عبدا كافرا ، فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم ، فعليه دية حر مسلم .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يلزمه في العبد دية عبد لمولاه ; لأن الإصابة ناشئة عن إرسال السهم ، فكان الاعتبار بها ، كحالة الجرح . فأما الكافر ، فمذهبه أن ديته دية المسلم ، وأنه يقتل به المسلم ، وكذلك يقتل الحر بالعبد . ولنا على درء القصاص ، أنه لم يتعد إلى نفس مكافئته له حال الرمي ، فلم يجب عليه قصاص ، كما لو رمى حربيا أو مرتدا فأسلم . وعلى أبي حنيفة ، أنه أتلف حرا ، فضمنه ضمان الأحرار ، كما لو قصد صيدا . وما قاله يبطل بما إذا رمى حيا فأصابه ميتا ، أو صحيحا فأصابه معيبا .

                                                                                                                                            ولنا على أن ديته تجب لورثته دون سيده ، وأنه إذا أسلم تجب ديته لورثته المسلمين دون الكفار ، إن مات مسلما حرا ، فكانت ديته لورثته المسلمين ، كما لو كان كذلك حال رميه ، ولأن الميراث إنما يستحق بالموت ، فتعتبر حاله حينئذ ، لا حين سبب الموت ، بدليل ما لو مرض وهو عبد كافر ، ثم أسلم ومات بتلك العلة ، والواجب بدل المحل ، فيعتبر بالمحل الذي فات بها ، فيجب بقدره ، وقد فات بها نفس حر مسلم ، والقصاص جزاء الفعل ، فيعتبر الفعل فيه والإصابة معا ; لأنهما طرفاه ، فلذلك ، لم يجب القصاص بقتله .

                                                                                                                                            ( 6663 ) فصل : ولم يفرق الخرقي بين كون الكافر ذميا أو غيره ، إلا أنه يتعين التفريق فيه ، فمتى رمى إلى حربي في دار الحرب ، فأسلم قبل وقوع الرمية به ، فلا دية له ، وفيه الكفارة ; لأنه رمي مندوب إليه ، مأمور به ، فأشبه ما لو قتله في دار الحرب يظنه حربيا ، وكان قد أسلم وكتم إسلامه . وفيه رواية أخرى ، أن فيه الدية على عاقلة القاتل ; لأنه نوع خطأ ، فكذلك هاهنا . ولو رمى مرتدا في دار الإسلام ، فأسلم ثم وقع السهم به ، ضمنه ; لأنه مفرط بإرسال سهمه عليه ; لأن قتل المرتد إلى الإمام ، لا إلى آحاد الناس ، وقتله بالسيف لا بالسهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية