الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ إيداع الشهادة ]

ونظير هذه الحيلة حيلة إيداع الشهادة وصورتها أن يقول له الخصم : لا أقر لك حتى تبرئني من نصف الدين أو ثلثه ، وأشهد عليك أنك لا تستحق علي بعد ذلك شيئا ، فيأتي صاحب الحق إلى رجلين فيقول : اشهدا أني على طلب حقي كله من فلان ، وأني لم أبرئه من شيء منه ، وأني أريد أن أظهر مصالحته على بعضه ; لأتوصل بالصلح إلى أخذ بعض حقي ، وأني إذا أشهدت أني لا أستحق عليه سوى ما صالحني عليه فهو إشهاد باطل ، وأني إنما أشهدت على ذلك توصلا إلى أخذ بعض حقي ; فهذه تعرف بمسألة إيداع الشهادة ; فإذا فعل ذلك جاز له أن يدعي بقاءه على حقه ، ويقيم الشهادة بذلك ، هذا مذهب مالك ، وهو مطرد على قياس مذهب أحمد وجار على أصوله .

فإن له التوصل إلى حقه بكل [ ص: 25 ] طريق جائز ، بل لا يقتضي المذهب غير ذلك ، فإن هذا مظلوم توصل إلى أخذ حقه بطريق لم يسقط بها حقا لأحد ، ولم يأخذ بها ما لا يحل له أخذه ; فلا خرج بها من حق ، ولا دخل بها في باطل .

ونظير هذا أن يكون للمرأة على رجل حق ، فيجحده ويأبى أن يقر به حتى تقر له بالزوجية ، فطريق الحيلة أن تشهد على نفسها أنها ليست امرأة فلان ، وأني أريد أن أقر له بالزوجية إقرارا كاذبا لا حقيقة له ; لأتوصل بذلك إلى أخذ مالي عنده ، فاشهدوا أن إقراري بالزوجية باطل أتوصل به إلى أخذ حقي .

ونظيره أيضا أن ينكر نسب أخيه ، ويأبى أن يقر له به حتى يشهد أنه لا يستحق في تركة أبيه شيئا ، وأنه قد أبرأه من جميع ما له في ذمته منها ، أو أنه وهب له جميع ما يخصه منها ، أو أنه قبضه أو اعتاض عنه أو نحو ذلك ، فيودع الشهادة عدلين أنه باق على حقه ، وأنه يظهر ذلك الإقرار توصلا إلى إقرار أخيه بنسبه ، وأنه لم يأخذ من ميراث أبيه شيئا ، ولا أبرأ أخاه ، ولا عاوضه ، ولا وهبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية