الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ حيلة في المخالفة على نفقتها وسكناها قبل وجوبهما ]

المثال الثالث عشر بعد المائة : إذا أراد الرجل أن يخالع امرأته الحامل على سكناها ونفقتها جاز ذلك ، وبرئ منهما ، هذا منصوص أحمد ، وقال الشافعي : لا يصح الخلع ، ويجب مهر المثل ، واحتج له بأن النفقة لم تجب بعد فإنها إنما تجب بعد الإبانة ، وقد خالعها بمعدوم ، فلا يصح ، كما لو خالعها على عوض شيء يتلفه عليها ، وهذا اختيار أبي بكر عبد العزيز ، وقال أصحاب أبي حنيفة : إذا خالعها على أن لا سكنى لها ، ولا نفقة فلا نفقة لها ، وتستحق عليه السكنى ، قالوا : لأن النفقة حق لها ، وقد أسقطته ، والسكنى حق الشارع فلا تسقط بإسقاطها ، فيلزم إسكانها .

قالوا : فالحيلة على سقوط الأجرة عنه أن يشترط الزوج في الخلع أن لا يكون عليه مؤنة السكنى ، وأن مؤنتها تلزم المرأة في مالها ، وتجب أجرة المسكن عليها .

فإن قيل : لو أبرأت المرأة زوجها عن النفقة قبل أن تصير دينا في ذمته لم تصح ، ولو شرط في عقد الخلع براءة الزوج عن النفقة صح .

[ ص: 36 ] قيل : الفرق بينهما أن الإبراء إذا شرط في الخلع كان إبراء بعوض ، فالإبراء بعوض استيفاء لما وقعت البراءة عنه ; لأن العوض قائم مقام ما وقعت البراءة عنه ، والاستيفاء يجوز قبل الوجوب بدليل ما لو تسلفت نفقة شهر جملة ، وأما الإبراء من النفقة في غير خلع قبل ثبوتها فهو إسقاط لما لم يجب فلا يسقط ، كما لو أسقطت حقها من القسم فإن لها أن ترجع فيه متى شاءت ، وأما قول صاحب المحرر " وقيل : إن أوجبنا نفقة الزوجة بالعقد صح ، وإلا فهو خلع بمعدوم ، وقد بينا حكمه " يعني إن قلنا : إن نفقة الحامل نفقة زوجة ، وإن النفقة لها من أجل الحمل ، وإنها تجب بالعقد فيكون خلعا بشيء ثابت ، وإن قلنا : إن النفقة إنما تجب بالتمكين فقد زال التمكين بالخلع ، وصارت النفقة نفقة قريب ، فالخلع بنفقة الزوجة حينئذ خلع بمعدوم ، هذا أقرب ما يتوجه به كلامه ، وفيه ما فيه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية