الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6869 ) فصل : فإن سقط رجل في بئر ، فتعلق بآخر ، فوقعا معا ، فدم الأول هدر ; لأنه مات من فعله ، وعلى عاقلته دية الثاني إن مات ; لأنه قتله بجذبته . فإن تعلق الثاني بثالث ، فماتوا جميعا ، فلا شيء على الثالث ، وعلى عاقلة الثاني ديته ، في أحد الوجهين ; لأنه جذبه وباشره بالجذب ، والمباشرة تقطع حكم السبب ، كالحافر مع الدافع ، والثاني ديته على عاقلة الأول ، والثاني نصفين ; لأن الأول جذب الثاني الجاذب للثالث ، فصار مشاركا للثاني في إتلافه . ودية الثاني على عاقلة الأول ، في أحد الوجهين ; لأنه هلك بجذبته ، وإن هلك بسقوط الثالث عليه ، فقد هلك بجذبة الأول وجذبة نفسه للثالث ، فسقط فعل نفسه ، كالمصطدمين ، وتجب ديته بكمالها على الأول . ذكره القاضي .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يجب على الأول نصف ديته ، ويهدر نصفها في مقابلة فعل نفسه . وهذا مذهب الشافعي . ويتخرج وجه ثالث ، وهو وجوب نصف ديته على عاقلته لورثته ، كما قلنا فيما إذا رمى ثلاثة بالمنجنيق ، فقتل الحجر أحدهم . وأما الأول إذا مات بوقوعهما عليه ، ففيه الأوجه الثلاثة ; لأنه مات من جذبته وجذبة الثاني للثالث ، فتجب ديته كلها على عاقلة الثاني : ويلغى فعل نفسه ، على الوجه الأول . وعلى الثاني : يهدر نصف ديته المقابل لفعل نفسه ، ويجب نصفها على الثاني : وعلى الثالث ، يجب نصفها على عاقلته لورثته .

                                                                                                                                            وإن جذب الثالث رابعا ، فمات جميعهم بوقوع بعضهم على بعض ، فلا شيء على الرابع ; لأنه لم يفعل شيئا في نفسه ولا غيره ، وفي ديته وجهان ; أحدهما ; أنها على عاقلة الثالث المباشر لجذبه . والثاني : على عاقلة الأول والثاني والثالث ; لأنه مات من جذب الثلاثة ، فكانت ديته على عواقلهم . وأما الأول فقد مات بجذبته وجذبة الثاني وجذبة الثالث ، ففيه ثلاثة أوجه ; أحدها ، أنه يلغى فعل نفسه ، وتجب ديته على عاقلة الثاني والثالث نصفين . الثاني : يجب على عاقلتهما ثلثاها ، ويسقط ما قابل فعل نفسه ، الثالث : يجب ثلثها على عاقلته لورثته . وأما الجاذب الثاني : فقد مات بالأفعال الثلاثة ، وفيه هذه الأوجه [ ص: 330 ] المذكورة في الأول سواء .

                                                                                                                                            وأما الثالث : ففيه مثل هذه الأوجه الثلاثة ، ووجهان آخران ; أحدهما ، أن ديته بكمالها على الثاني ; لأنه المباشر لجذبه ، فسقط فعل غيره بفعله . والثاني أن على عاقلته نصفها ، ويسقط النصف الثاني في مقابلة فعله في نفسه . ( 6870 ) فصل : وإن وقع بعضهم على بعض ، فماتوا ، نظرت ; فإن كان موتهم بغير وقوع بعضهم على بعض ، مثل أن يكون البئر عميقا يموت الواقع فيه بنفس الوقوع ، أو كان فيه ماء يغرق الواقع فيقتله ، أو أسد يأكلهم ، فليس على بعضهم ضمان بعض ; لعدم تأثير فعل بعضهم في هلاك بعض ، وإن شككنا في ذلك ، لم يضمن بعضهم بعضا ; لأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك .

                                                                                                                                            وإن كان موتهم بوقوع بعضهم على بعض ، فدم الرابع هدر ; لأن غيره لم يفعل فيه شيئا ، وإنما هلك بفعله ، وعليه دية الثالث ; لأنه قتله بوقوعه عليه ، ودية الثاني عليه وعلى الثالث نصفين ، ودية الأول على الثلاثة أثلاثا . ( 6871 ) فصل : وإن هلكوا بأمر في البئر ، مثل أسد كان فيه ، وكان الأول جذب الثاني ، والثاني جذب الثالث ، والثالث جذب الرابع ، فقتلهم الأسد ، فلا شيء على الرابع ، وديته على عاقلة الثالث ، في أحد الوجهين ، وفي الثاني : على عواقل الثلاثة أثلاثا ، ودم الأول هدر ، على عاقلته دية الثاني .

                                                                                                                                            وأما دية الثالث ، فعلى الثاني : في أحد الوجهين ، وفي الآخر ، على الأول والثاني نصفين . وهذه المسألة تسمى مسألة الزبية ، وقد روى حنش الصنعاني ، { أن قوما من أهل اليمن ، حفروا زبية للأسد ، فاجتمع الناس على رأسها ، فهوى فيها واحد ، فجذب ثانيا ، فجذب الثاني ثالثا ، ثم جذب الثالث رابعا ، فقتلهم الأسد ، فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقال : للأول ربع الدية ; لأنه هلك فوقه ثلاثة ، وللثاني ثلث الدية ; لأنه هلك فوقه اثنان ، وللثالث نصف الدية ، لأنه هلك فوقه واحد ، وللرابع كمال الدية . وقال : فإني أجعل الدية على من حضر رأس البئر . فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هو كما قال } . رواه سعيد بن منصور . قال : حدثنا أبو عوانة ، وأبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن حنش ، بنحو هذا المعنى . قال أبو الخطاب : فذهب أحمد إلى ذلك توقيفا على خلاف القياس ، والقياس ما ذكرناه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية