الباب الثالث في وما يستحب من الأحوال عنده . سكرات الموت وشدته
اعلم أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ، ولا هول ولا عذاب ، سوى سكرات الموت بمجردها ، لكان جديرا بأن يتنغص عليه عيشه ، ويتكدر عليه سروره ، ويفارقه سهوه ، وغفلته وحقيق بأن يطول فيه فكره ، ويعظم له استعداده ، لا سيما وهو في كل نفس بصدده ; كما قال بعض الحكماء : " كرب بيد سواك لا تدري متى يغشاك .
". وقال لقمان لابنه : " يا بني ، أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفجأك .
والعجب أن الإنسان لو كان في أعظم اللذات ، وأطيب مجالس اللهو ، فانتظر أن يدخل عليه جندي فيضربه خمس خشبات لتكدرت عليه لذته ، وفسد عليه عيشه . وهو في كل نفس بصدد أن يدخل عليه ملك الموت بسكرات النزع ، وهو عنه غافل ، فما لهذا سبب إلا الجهل والغرور واعلم أن لا يعرفها بالحقيقة إلا من ذاقها ، ومن لم يذقها فإنما يعرفها إلا بالقياس إلى الآلام التي أدركها ، وإما بالاستدلال بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه . شدة الألم في سكرات الموت
فأما القياس الذي يشهد له فهو أن كل عضو لا روح فيه فلا يحس بالألم فإذا كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح ، فمهما أصاب العضو جرح أو حريق سرى الأثر إلى الروح فبقدر ، ما يسري إلى الروح يتألم ، والمؤلم يتفرق على اللحم والدم ، وسائر الأجزاء ، فلا يصيب الروح إلا بعض الألم ، فإن كان في الآلام ما يباشر نفس الروح ، ولا يلاقي غيره ، فما أعظم ذلك الألم ، وما أشده .
والنزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح ، فاستغرق جميع أجزائه ، حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حل به الألم ; فلو أصابته شوكة فالألم الذي يجده إنما يجري في جزء من الروح يلاقي ذلك الموضع الذي أصابته الشوكة وإنما يعظم أثر الاحتراق لأن أجزاء النار تغوص في سائر أجزاء البدن ، فلا يبقى جزء من العضو المحترق ظاهرا وباطنا إلا وتصيبه النار ، فتحسه الأجزاء الروحانية المنتشرة في سائر أجزاء اللحم .
وأما الجراحة فإنما تصيب الموضع الذي مسه الحديد فقط ; فكان لذلك ألم الجرح دون ألم النار . فألم النزع يهجم على نفس الروح ، ويستغرق جميع أجزائه ، فإنه المنزوع المجذوب من كل عرق من العروق ، وعصب من الأعصاب ، وجزء من الأجزاء ، ومفصل من المفاصل ، ومن أصل كل شعرة ، وبشرة ، من الفرق إلى القدم . فلا تسأل عن كربه ، وألمه ، حتى قالوا إن الموت لأشد من ضرب بالسيف ، ونشر بالمناشير ، وقرض بالمقاريض لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلم لتعلقه بالروح ، فكيف إذا كان المقاول المباشر نفس الروح ! وإنما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء قوته في قلبه ، وفي لسانه ، وإنما انقطع صوت الميت وصياحه من شدة ألمه لأن الكرب قد بالغ فيه ; وتصاعد على قلبه وبلغ ، كل موضع منه ، فهد كل قوة ، وضعف كل جارحة ، فلم يترك له قوة الاستغاثة .
أما العقل فقد غشيه وشوشه .
وأما اللسان فقد أبكمه وأما الأطراف فقد ضعفها .
ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين ، والصياح ، والاستغاثة ، ولكنه لا يقدر على ذلك . فإن بقيت فيه قوة سمعت له عند نزع الروح وجذبها خوارا ، وغرغرة من حلقه ، وصدره وقد تغير لونه واربد ، حتى كأنه ظهر منه التراب الذي هو أصل فطرته ، وقد جذب منه كل عرق على حياله . فالألم منتشر في داخله وخارجه ، حتى ترتفع الحدقتان إلى أعالي أجفانه ، وتتقلص الشفتان ، ويتقلص اللسان إلى أصله ، وترتفع الأنثيان إلى أعالي موضعهما ، وتخضر أنامله .
فلا تسل عن بدن يجذب منه كل عرق من عروقه ، ولو كان المجذوب عرقا واحدا لكان ألمه عظيما ، فكيف والمجذوب نفس الروح المتألم لا من عرق واحد بل من جميع العروق .
! ثم يموت كل عضو من أعضائه تدريجا ، فتبرد أولا قدماه ثم ساقاه ثم فخذاه ولكل عضو سكرة بعد سكرة ، وكربة بعد كربة ، حتى يبلغ بها إلى الحلقوم فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها ويغلق دونه باب التوبة ، وتحيط به الحسرة ، والندامة وقال ، رسول الله صلى الله عليه وسلم تقبل : وقال " توبة العبد ما لم يغرغر " في قوله تعالى : مجاهد وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن قال : إذا عاين الرسل فعند ذلك تبدو له صفحة وجه ملك الموت ، فلا تسأل عن طعم مرارة الموت ، وكربه ، عند ترادف سكراته ولذلك كان رسول الله : صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم هون على محمد سكرات الموت والناس إنما لا يستعيذون منه ولا يستعظمونه ، لجهلهم به ، فإن الأشياء قبل وقوعها إنما تدرك بنور النبوة والولاية ، ولذلك عظم حتى قال خوف الأنبياء عليهم السلام ، والأولياء ، من الموت ، عيسى عليه السلام : يا معشر الحواريين ادعوا الله تعالى أن يهون علي هذه السكرة يعني الموت فقد خفت الموت مخافة أوقفني خوفي من الموت على الموت وروي أن نفرا من بني إسرائيل مروا بمقبرة ، فقال بعضهم لبعض : لو دعوتم الله تعالى أن يخرج لكم من هذه المقبرة ميتا تسألونه فدعوا الله تعالى ، فإذا هم برجل قد قام وبين عينيه أثر السجود ، قد خرج من قبر من القبور ، فقال : يا قوم ما أردتم مني ، لقد ذقت الموت منذ خمسين سنة ما سكنت مرارة الموت من قلبي .
وقالت رضي الله عنها : لا أغبط أحدا يهون عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي عائشة أنه عليه السلام كان يقول : اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب ، والقصب ، والأنامل ، اللهم فأعني على الموت ، وهونه علي وعن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الموت ، وغصته ، وألمه ، فقال : هو قدر ثلاثمائة ضربة بالسيف .
وسئل صلى الله عليه وسلم عن فقال : إن أهون الموت بمنزلة حسكة في صوف ، فهل تخرج الحسكة من الصوف إلا ومعها صوف ! الموت وشدته ،
وكان ودخل صلى الله عليه وسلم على مريض ثم قال : إني أعلم ما يلقى ما منه عرق إلا ويألم للموت على حدته . كرم الله وجهه يحض على القتال ويقول : إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من موت على فراش . علي
وقال بلغنا أن الميت يجد ألم الموت ما لم يبعث من قبره . الأوزاعي
وقال الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن ، وهو أشد من نشر بالمناشير ، وقرض بالمقاريض ، وغلى في القدور ، ولو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بالموت ما انتفعوا بعيش ، ولا لذوا بنوم . شداد بن أوس
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال : إذا بقي على المؤمن من درجاته شيء لم يبلغها بعمله شدد عليه الموت ، ليبلغ بسكرات الموت وكربه درجته في الجنة . وإذا كان للكافر معروف لم يجز به هون عليه في الموت ، ليستكمل ثواب معروفه ، فيصير إلى النار .
الباب الثالث في سكرات الموت وشدته وما يستحب من الأحوال عنده
التالي
السابق
* (الباب الثالث في وما يستحب من الأحوال عنده ) * سكرات الموت وشدته
(اعلم ) وفقك الله تعالى (أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب، ولا هول ) ولا شدة (ولا عذاب، سوى سكرات الموت بمجردها، لكان جديرا بأن يتنغص عليه عيشه، ويتكدر عليه سروره، ويفارقه سهوه، وغفلته. وحقيق بأن تطول فيه فكرته، ويعظم له استعداده، لا سيما وهو في كل نفس بصدده; كما قال بعض الحكماء: "كرب بيد سواك لا تدري متى يغشاك". وقال لقمان لابنه: "يا بني، أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفجأك ) أي يأتيك فجأة. (والعجب أن الإنسان لو كان في أعظم اللذات، وأطيب مجالس اللهو، فانتظر أن يدخل عليه جندي مثلا فيضربه خمس خشبات لتكدرت عليه لذته، وفسد عليه عيشه. وهو في كل نفس بصدد أن يدخل عليه ملك الموت بسكرات النزع، وهو عنه غافل، فما لهذا سبب إلا الجهل والغرور ) بالأماني الباطلة .
(واعلم أن لا يعرفها بالحقيقة إلا من ذاقها، ومن لم يذقها فإنما يعرفها إما بالقياس إلى الآلام التي أدركها، وإما بالاستدلال بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه. فأما القياس الذي يشهد له فهو أن كل عضو لا روح فيه فلا يحس بالألم ) ، وقد تقدم الكلام على ذلك في تشريح الإنسان. (فإذا كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح، فمهما أصاب العضو جرح أو حريق سرى الأثر إلى الروح، فبقدر ما يسري إلى الروح يتألم، والمؤلم يتفرق على اللحم والدم، وسائر الأجزاء، فلا يصيب الروح إلا بعض الأثر، فإن كان في الآلام ما يباشر نفس الروح، ولا يلاقي غيره، فما أعظم ذلك الألم، وما أشده. والنزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح، فاستغرق جميع أجزائه، حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حل به الألم; فلو أصابته شوكة فالألم الذي يجده إنما يجري في جزء من الروح يلاقي ذلك الموضع الذي أصابته الشوكة ) . فإن قيل: فما بال أثر الاحتراق بالنار يعم سائر البدن؟ فالجواب ما أشار إليه المصنف بقوله: (وإنما يعظم أثر الاحتراق لأن أجزاء النار تغوص في سائر أجزاء البدن، فلا يبقى جزء من العضو المحترق- ظاهرا وباطنا- إلا وتصيبه النار، فتحسه الأجزاء الروحانية المنتشرة في سائر أجزاء اللحم. وأما الجراحة فإنما تصيب الموضع الذي مسه الحديد فقط; فكان لذلك ألم الجرح دون النار . شدة الألم في سكرات الموت
فألم النزع يهجم على نفس الروح، ويستغرق جميع أجزائه، فإنه المنزوع المجذوب من كل عرق من العروق، وعصب من [ ص: 259 ] الأعصاب، وجزء من الأجزاء، ومفصل من المفاصل، ومن أصل كل شعرة، وبشرة، من الفرق إلى القدم. فلا تسأل عن كربه، وألمه، حتى قالوا إن الموت لأشد من ضرب بالسيف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض ) . كما ورد كل ذلك في الأخبار على ما سيأتي ذكرها (لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلم لتعلقه بالروح، فكيف إذا كان المتناول المباشر نفس الروح! وإنما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء قوته في قلبه، وفي لسانه، وإنما انقطع صوت الميت وصياحه مع شدة ألمه لأن الكرب قد بالغ فيه; وتصاعد على قلبه، وغلب على كل موضع منه، فهد كل قوة، وضعف كل جارحة، فلم يترك له قوة الاستغاثة ) .
(أما العقل فقد غشيه وشوشه، وأما اللسان فقد أبكمه ) وأخرسه، (وأما الأطراف فقد ضعفها ) وهد قوتها. (ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين، والصياح، والاستغاثة، ولكنه لا يقدر على ذلك. فإن بقيت فيه قوة سمعت له عند نزع الروح وجذبها خوارا، وغرغرة من حلقه، وصدره ) كخوار الثور العقير (وقد تغير لونه، وأربد حتى كأنه ظهر منه التراب الذي هو أصل فطرته، وقد جذب منه كل عرق على حياله. فالألم منتشر في داخله وخارجه، حتى ترتفع الحدقتان إلى أعلى أجفانه، وتتقلص الشفتان، ويتقلص اللسان إلى أصله، وترتفع الأنثيان إلى أعالي موضعهما، وتخضر أنامله، فلا تسأل عن بدن يجذب منه كل عرق من عروقه، ولو كان المجذوب عرقا واحدا لكان ألمه عظيما، فكيف والمجذوب نفس الروح المتألم لا من عرق واحد بل من جميع العروق! ) .
(ثم يموت كل عضو من أعضائه تدريجا، فتبرد أولا قدماه ثم ساقاه ثم فخذاه ) حتى ينحشر الروح في الصدر. (ولكل عضو سكرة بعد سكرة، وكربة بعد كربة، حتى يبلغ بها الحلقوم ) وإليه يشير قوله تعالى: كلا إذا بلغت التراقي ، وقوله تعالى: فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون . (فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها ) . وروى ابن ماجه قال: سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- متى تنقطع معرفة العبد من الناس؟ قال: "إذا عاين". أبي موسى (ويغلق دونه باب التوبة، وتحيط به الحسرة، والندامة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: عن ) . قال "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" العراقي: رواه وحسنه، الترمذي من حديث وابن ماجه، اهـ. قلت: ورواه كذلك ابن عمر ابن زنجويه، وأحمد، وابن حبان، والحاكم، كلهم من حديث والبيهقي، ورواه أيضا ابن عمر. من حديث ابن جرير ومن حديث عبادة بن الصامت، ورواه أبي أيوب بشير بن كعب. ابن زنجويه عن وابن جرير الحسن بلاغا. ورواه من حديث رجل من الصحابة بلفظ: أحمد "ما لم يغرغر بنفسه".
(وقال ) رحمه الله تعالى (في قوله تعالى: مجاهد وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن قال: إذا عاين الرسل ) الموكلة بقبض الروح (فعند ذلك تبدو له صفحة وجه ملك الموت، فلا تسأل عن طعم مرارة الموت، وكربه، عند ترادف سكراته ) . قال "وهل الحضور إلا السوق" كما رواه ابن عمر: (ولذلك ابن جرير. كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: اللهم هون على محمد سكرات الموت ) روي ذلك من حديث بنحوه كما سيأتي. (والناس إنما يستعيذون منه ولا يستعظمونه، لجهلهم به، فإن الأشياء قبل وقوعها إنما تدرك بنور النبوة والولاية، ولذلك عظم عائشة حتى قال خوف الأنبياء عليهم السلام، والأولياء، من الموت، عيسى عليه السلام: يا معشر الحواريين ادعوا الله تعالى أن يهون علي هذه السكرة- [ ص: 260 ] يعني الموت- فقد خفت الموت مخافة أوقفني خوفي من الموت على الموت ) رواه في كتاب الموت. وقال ابن أبي الدنيا "لتشديد الموت على الأنبياء- عليهم السلام- فائدتان: إحداهما تكميل فضائلهم، ورفع درجاتهم، وليس ذلك نقصا ولا عذابا، بل هو كما جاء أن القرطبي: والثانية أن تعرف الخلق مقدار ألم الموت، وأنه باطن. وقد يطلع الإنسان على بعض الموتى فلا يرى عليه حركة، ولا قلقا، بل يرى سهولة خروج روحه فيظن سهولة أمر الموت، ولا يعرف ما الميت فيه، فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم شدة ألمه مع كرامتهم على الله تعالى قطع الخلق بشدة الموت الذي يقاسيه الميت مطلقا; لإخبار الصادقين عنه ما خلا الشهيد قتيل الكفار على ما ثبت في الحديث" اهـ . أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل.
(وروي أن نفرا من بني إسرائيل مروا بمقبرة، فقال بعضهم لبعض: لو دعوتم الله تعالى أن يخرج لكم من هذه المقبرة ميتا تسألونه ) فيخبركم عن أحوال البرزخ، (فدعوا الله تعالى، فإذا هم برجل قد قام وبين عينيه أثر السجود، قد خرج من قبر من القبور، فقال: يا قوم ما أردتم مني، لقد ذقت الموت منذ خمسين سنة ما سكنت مرارة الموت من قلبي ) رواه في كتاب الموت من حديث ابن أبي الدنيا بهذا اللفظ. ورواه جابر في مسنده، ابن أبي شيبة في الزهد، وأحمد وعبد بن حميد، وأبو يعلى، وابن منيع، والضياء، عن عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "تحدثوا عن جابر بني إسرائيل فإنه كان فيهم أعاجيب" ثم أنشأ يحدثنا قال: "خرجت طائفة منهم فأتوا مقبرة من مقابرهم، فقالوا: لو صلينا ركعتين ودعونا الله يخرج لنا بعض الأموات يخبرنا عن الموت، ففعلوا، فبينما هم كذلك إذ طلع رجل أسود اللون، بين عينيه أثر السجود، فقال: يا هؤلاء ما أردتم إلي لقد مت منذ مائة سنة فما سكنت عني حرارة الموت حتى الآن، فادعوا الله أن يعيدني كما كنت". ويقرب من ذلك ما رواه في الزهد عن أحمد عمر بن حبيب; أن رجلين من بني إسرائيل عبدا الله حتى سئما من العبادة، فقالا: لو خرجنا إلى القبور فجاورناها لعلنا أن نراجع، فجاورا القبور، فعبدا الله، فنشر لهما ميت، فقال لهما: لقد مت منذ ثمانين سنة، وإني لأجد ألم الموت بعد .
(وقالت رضي الله عنها-: لا أغبط أحدا يهون عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . رواه عائشة- بلفظ: "لا أغبط أحدا بهون موت..." والباقي سواء، والهون بالفتح الرفق. وروى الترمذي عنها قالت: "لا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم". (وروي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب، والقصب، والأنامل، اللهم فأعني على الموت، وهونه علي ) . قال العراقي: رواه في كتاب الموت من حديث ابن أبي الدنيا طعمة بن غيلان الجعفي، وهو معضل، سقط منه الصحابي والتابعي اهـ. قلت: رواه عن محمد بن الحسين قال حدثنا حسين بن علي الجعفي حدثنا طعمة بن غيلان الجعفي قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول فذكره. قال السيوطي في "أمالي الدرة الفاخرة": طعمة من طبقة أتباع التابعين، روى عن وغيره، وعنه السفيانان، وذكره الشعبي في الثقات اهـ. قلت: هو كوفي روى له ابن حبان في مسند النسائي علي.
(وعن الحسن ) البصري رحمه الله تعالى (أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذكر الموت، وغصته، وألمه، فقال: هو قدر ثلاثمائة ضربة بالسيف ) . قال العراقي: رواه في كتاب الموت هكذا مرسلا ورجاله ثقات اهـ. قلت: وفي بعض الأخبار أنه قدر مائة ضربة، وفي بعضها قدر ألف ضربة، كما سيأتي. وذكر المصنف في "الدرة الفاخرة" حديث: ابن أبي الدنيا "لسكرة من سكرات الموت أشد من ثلاثمائة ضربة بالسيف"، قال السيوطي في تخريجه: لم أجده بهذا اللفظ لكن بنحوه. ثم ذكر حديث الضحاك بن حمزة، وسأذكره بعد .
(وسئل صلى الله عليه وسلم عن فقال: إن أهون الموت بمنزلة حسكة ) كانت (في صوف، فهل يخرج الحسكة من الصوف إلا ومعها صوف! ) الموت وشدته، . قال العراقي: رواه في كتاب الموت من رواية ابن أبي الدنيا مرسلا اهـ. قلت: شهر بن حوشب شهر أشعري، شامي، صدوق، كثير الإرسال والأوهام، روى له في الأدب المفرد، البخاري والأربعة. ومسلم، ) . قال (ودخل صلى الله عليه وسلم على مريض ثم قال: إني أعلم ما يلقى ما منه عرق إلا ويألم للموت على حدته العراقي: رواه في كتاب الموت من حديث ابن أبي الدنيا بسند ضعيف، ورواه في المرض والكفارات من رواية سلمان مرسلا مع اختلاف، ورجاله ثقات اهـ. قلت: ورواه كذلك عبيد بن عمير البزار، من حديث والطبراني، ولفظه سلمان، الأنصار، وهو [ ص: 261 ] في الموت، فقال: "ما تجد؟ قال: أجدني بخير، وقد حضرني اثنان، أحدهما أسود، والآخر أبيض. فقال صلى الله عليه وسلم: أيهما أقرب منك؟ قال: الأسود، قال: إن الخير قليل، وإن الشر كثير. قال: فمتعني منك يا رسول الله، فقال: اللهم اغفر الكثير، وأنم القليل. ثم قال: ما ترى؟ قال: خيرا بأبي أنت وأمي، أرى الخير ينمي، وأرى الشر يضمحل، وقد استأخر عني الأسود. قال أي عملك أملك بك؟ قال: كنت أسقي الماء، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إني أعلم ما يلقى ما منه عرق إلا وهو يألم الموت على حدته". أنه صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من
وقد روي نحوه عن رفعه في أثناء حديث: عطاء بن يسار "وما من مؤمن يموت إلا وكل عرق منه يألم على حدة" رواه الحارث بن أبي أسامة بسند جيد. وأما مرسل فلفظه: عبيد بن عمير رواه كذلك "عاد النبي- صلى الله عليه وسلم- مريضا فقال: ما منه عرق إلا وهو يألم منه، غير أنه قد أتاه آت فبشره أن ليس بعده عذاب". في الشعب. وروى البيهقي في الحلية في أثناء حديث أبو نعيم لوائلة بن الأسقع: "والذي نفسي بيده لا تخرج نفس عبد من الدنيا حتى يتألم كل عرق منه على حياله". ورواه عن ابن أبي الدنيا أبي حسين البرجمي مرفوعا نحوه. (وكان رضي الله عنه- يحض ) الناس (على القتال ويقول: إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش ) رواه علي- في كتاب الموت . ابن أبي الدنيا
وفي نهج البلاغة للشريف الموسوي قال: ومن كلامه رضي الله عنه في وقت الحرب: "وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأى من أحد من إخوانه فشلا، فليذب عن أخيه بفضل نجدته التي فضل بها عليه، كما يذب عن نفسه، فلو شاء الله لجعله مثله. إن الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، إن أكرم الموت القتل، والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش".
(وقال ) رحمه الله تعالى: (بلغنا أن الميت يجد ألم الموت ما لم يبعث من قبره ) رواه الأوزاعي في كتاب الموت. وروى ابن أبي الدنيا في الحلية عن أبو نعيم كعب قال: لا يذهب عن الميت ألم الموت ما دام في قبره، وإنه لأشد ما يمر على المؤمن وأهون ما يصيب الكافر. (وقال ) رضي الله عنه: (الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن، وهو أشد من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، وغلي في القدور، ولو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بالموت ما انتفعوا بعيش، ولا لذوا بنوم ) رواه شداد بن أوس في كتاب الموت. وفيه: فأخبر أهل الدنيا بألم الموت. ورواه أيضا عن ابن أبي الدنيا بلفظ: "الموت أشد من ضرب بالسيف، ونشر بالمناشير، وغلي في القدور، ولو أن ألم عرق من عروق الميت قسم على أهل الأرض لأوسعهم المأتم، هو أول شدة يلقاها الكافر، وآخر شدة يلقاها المؤمن". وهب بن منبه
(وعن ) أبي عبد الله (زيد بن أسلم ) العدوي، مولاهم المدني، ثقة، عالم، كان يرسل، مات سنة ست وثلاثين، روى له الجماعة (عن أبيه ) أسلم العدوي، مولى ثقة، مخضرم، مات سنة ثمانين، وهو ابن أربعة عشر ومائة سنة، روى له الجماعة (قال: إذا بقي على المؤمن من درجاته شيء لم يبلغها بعمله شدد عليه الموت، ليبلغ بسكرات الموت وكربه درجته في الجنة. وإذا كان للكافر معروف لم يجز به هون عليه في الموت، ليستكمل ثواب معروفه، فيصير إلى النار ) . رواه عمر، في كتاب الموت عن ابن أبي الدنيا محمد بن الحسين حدثنا موسى بن داود حدثنا عن أبيه ولفظه: "إذا بقي على المؤمن من ذنوبه شيء لم يبلغه بعمله شدد عليه الموت، ليبلغ بسكرات الموت وشدائده درجته من الجنة. وإن الكافر إذا كان قد عمل معروفا في الدنيا، يهون عليه الموت، ليستكمل ثواب معروفه في الدنيا، ثم يصير إلى النار". فالمراد بأبيه هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والضمير راجع إلى زيد بن أسلم، عبد الرحمن. وفي سياق المصنف خطأ ولو قال عن عن أبيه لأصاب . عبد الرحمن بن زيد بن أسلم
(اعلم ) وفقك الله تعالى (أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب، ولا هول ) ولا شدة (ولا عذاب، سوى سكرات الموت بمجردها، لكان جديرا بأن يتنغص عليه عيشه، ويتكدر عليه سروره، ويفارقه سهوه، وغفلته. وحقيق بأن تطول فيه فكرته، ويعظم له استعداده، لا سيما وهو في كل نفس بصدده; كما قال بعض الحكماء: "كرب بيد سواك لا تدري متى يغشاك". وقال لقمان لابنه: "يا بني، أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفجأك ) أي يأتيك فجأة. (والعجب أن الإنسان لو كان في أعظم اللذات، وأطيب مجالس اللهو، فانتظر أن يدخل عليه جندي مثلا فيضربه خمس خشبات لتكدرت عليه لذته، وفسد عليه عيشه. وهو في كل نفس بصدد أن يدخل عليه ملك الموت بسكرات النزع، وهو عنه غافل، فما لهذا سبب إلا الجهل والغرور ) بالأماني الباطلة .
(واعلم أن لا يعرفها بالحقيقة إلا من ذاقها، ومن لم يذقها فإنما يعرفها إما بالقياس إلى الآلام التي أدركها، وإما بالاستدلال بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه. فأما القياس الذي يشهد له فهو أن كل عضو لا روح فيه فلا يحس بالألم ) ، وقد تقدم الكلام على ذلك في تشريح الإنسان. (فإذا كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح، فمهما أصاب العضو جرح أو حريق سرى الأثر إلى الروح، فبقدر ما يسري إلى الروح يتألم، والمؤلم يتفرق على اللحم والدم، وسائر الأجزاء، فلا يصيب الروح إلا بعض الأثر، فإن كان في الآلام ما يباشر نفس الروح، ولا يلاقي غيره، فما أعظم ذلك الألم، وما أشده. والنزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح، فاستغرق جميع أجزائه، حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حل به الألم; فلو أصابته شوكة فالألم الذي يجده إنما يجري في جزء من الروح يلاقي ذلك الموضع الذي أصابته الشوكة ) . فإن قيل: فما بال أثر الاحتراق بالنار يعم سائر البدن؟ فالجواب ما أشار إليه المصنف بقوله: (وإنما يعظم أثر الاحتراق لأن أجزاء النار تغوص في سائر أجزاء البدن، فلا يبقى جزء من العضو المحترق- ظاهرا وباطنا- إلا وتصيبه النار، فتحسه الأجزاء الروحانية المنتشرة في سائر أجزاء اللحم. وأما الجراحة فإنما تصيب الموضع الذي مسه الحديد فقط; فكان لذلك ألم الجرح دون النار . شدة الألم في سكرات الموت
فألم النزع يهجم على نفس الروح، ويستغرق جميع أجزائه، فإنه المنزوع المجذوب من كل عرق من العروق، وعصب من [ ص: 259 ] الأعصاب، وجزء من الأجزاء، ومفصل من المفاصل، ومن أصل كل شعرة، وبشرة، من الفرق إلى القدم. فلا تسأل عن كربه، وألمه، حتى قالوا إن الموت لأشد من ضرب بالسيف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض ) . كما ورد كل ذلك في الأخبار على ما سيأتي ذكرها (لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلم لتعلقه بالروح، فكيف إذا كان المتناول المباشر نفس الروح! وإنما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء قوته في قلبه، وفي لسانه، وإنما انقطع صوت الميت وصياحه مع شدة ألمه لأن الكرب قد بالغ فيه; وتصاعد على قلبه، وغلب على كل موضع منه، فهد كل قوة، وضعف كل جارحة، فلم يترك له قوة الاستغاثة ) .
(أما العقل فقد غشيه وشوشه، وأما اللسان فقد أبكمه ) وأخرسه، (وأما الأطراف فقد ضعفها ) وهد قوتها. (ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين، والصياح، والاستغاثة، ولكنه لا يقدر على ذلك. فإن بقيت فيه قوة سمعت له عند نزع الروح وجذبها خوارا، وغرغرة من حلقه، وصدره ) كخوار الثور العقير (وقد تغير لونه، وأربد حتى كأنه ظهر منه التراب الذي هو أصل فطرته، وقد جذب منه كل عرق على حياله. فالألم منتشر في داخله وخارجه، حتى ترتفع الحدقتان إلى أعلى أجفانه، وتتقلص الشفتان، ويتقلص اللسان إلى أصله، وترتفع الأنثيان إلى أعالي موضعهما، وتخضر أنامله، فلا تسأل عن بدن يجذب منه كل عرق من عروقه، ولو كان المجذوب عرقا واحدا لكان ألمه عظيما، فكيف والمجذوب نفس الروح المتألم لا من عرق واحد بل من جميع العروق! ) .
(ثم يموت كل عضو من أعضائه تدريجا، فتبرد أولا قدماه ثم ساقاه ثم فخذاه ) حتى ينحشر الروح في الصدر. (ولكل عضو سكرة بعد سكرة، وكربة بعد كربة، حتى يبلغ بها الحلقوم ) وإليه يشير قوله تعالى: كلا إذا بلغت التراقي ، وقوله تعالى: فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون . (فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها ) . وروى ابن ماجه قال: سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- متى تنقطع معرفة العبد من الناس؟ قال: "إذا عاين". أبي موسى (ويغلق دونه باب التوبة، وتحيط به الحسرة، والندامة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: عن ) . قال "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" العراقي: رواه وحسنه، الترمذي من حديث وابن ماجه، اهـ. قلت: ورواه كذلك ابن عمر ابن زنجويه، وأحمد، وابن حبان، والحاكم، كلهم من حديث والبيهقي، ورواه أيضا ابن عمر. من حديث ابن جرير ومن حديث عبادة بن الصامت، ورواه أبي أيوب بشير بن كعب. ابن زنجويه عن وابن جرير الحسن بلاغا. ورواه من حديث رجل من الصحابة بلفظ: أحمد "ما لم يغرغر بنفسه".
(وقال ) رحمه الله تعالى (في قوله تعالى: مجاهد وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن قال: إذا عاين الرسل ) الموكلة بقبض الروح (فعند ذلك تبدو له صفحة وجه ملك الموت، فلا تسأل عن طعم مرارة الموت، وكربه، عند ترادف سكراته ) . قال "وهل الحضور إلا السوق" كما رواه ابن عمر: (ولذلك ابن جرير. كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: اللهم هون على محمد سكرات الموت ) روي ذلك من حديث بنحوه كما سيأتي. (والناس إنما يستعيذون منه ولا يستعظمونه، لجهلهم به، فإن الأشياء قبل وقوعها إنما تدرك بنور النبوة والولاية، ولذلك عظم عائشة حتى قال خوف الأنبياء عليهم السلام، والأولياء، من الموت، عيسى عليه السلام: يا معشر الحواريين ادعوا الله تعالى أن يهون علي هذه السكرة- [ ص: 260 ] يعني الموت- فقد خفت الموت مخافة أوقفني خوفي من الموت على الموت ) رواه في كتاب الموت. وقال ابن أبي الدنيا "لتشديد الموت على الأنبياء- عليهم السلام- فائدتان: إحداهما تكميل فضائلهم، ورفع درجاتهم، وليس ذلك نقصا ولا عذابا، بل هو كما جاء أن القرطبي: والثانية أن تعرف الخلق مقدار ألم الموت، وأنه باطن. وقد يطلع الإنسان على بعض الموتى فلا يرى عليه حركة، ولا قلقا، بل يرى سهولة خروج روحه فيظن سهولة أمر الموت، ولا يعرف ما الميت فيه، فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم شدة ألمه مع كرامتهم على الله تعالى قطع الخلق بشدة الموت الذي يقاسيه الميت مطلقا; لإخبار الصادقين عنه ما خلا الشهيد قتيل الكفار على ما ثبت في الحديث" اهـ . أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل.
(وروي أن نفرا من بني إسرائيل مروا بمقبرة، فقال بعضهم لبعض: لو دعوتم الله تعالى أن يخرج لكم من هذه المقبرة ميتا تسألونه ) فيخبركم عن أحوال البرزخ، (فدعوا الله تعالى، فإذا هم برجل قد قام وبين عينيه أثر السجود، قد خرج من قبر من القبور، فقال: يا قوم ما أردتم مني، لقد ذقت الموت منذ خمسين سنة ما سكنت مرارة الموت من قلبي ) رواه في كتاب الموت من حديث ابن أبي الدنيا بهذا اللفظ. ورواه جابر في مسنده، ابن أبي شيبة في الزهد، وأحمد وعبد بن حميد، وأبو يعلى، وابن منيع، والضياء، عن عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "تحدثوا عن جابر بني إسرائيل فإنه كان فيهم أعاجيب" ثم أنشأ يحدثنا قال: "خرجت طائفة منهم فأتوا مقبرة من مقابرهم، فقالوا: لو صلينا ركعتين ودعونا الله يخرج لنا بعض الأموات يخبرنا عن الموت، ففعلوا، فبينما هم كذلك إذ طلع رجل أسود اللون، بين عينيه أثر السجود، فقال: يا هؤلاء ما أردتم إلي لقد مت منذ مائة سنة فما سكنت عني حرارة الموت حتى الآن، فادعوا الله أن يعيدني كما كنت". ويقرب من ذلك ما رواه في الزهد عن أحمد عمر بن حبيب; أن رجلين من بني إسرائيل عبدا الله حتى سئما من العبادة، فقالا: لو خرجنا إلى القبور فجاورناها لعلنا أن نراجع، فجاورا القبور، فعبدا الله، فنشر لهما ميت، فقال لهما: لقد مت منذ ثمانين سنة، وإني لأجد ألم الموت بعد .
(وقالت رضي الله عنها-: لا أغبط أحدا يهون عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . رواه عائشة- بلفظ: "لا أغبط أحدا بهون موت..." والباقي سواء، والهون بالفتح الرفق. وروى الترمذي عنها قالت: "لا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم". (وروي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب، والقصب، والأنامل، اللهم فأعني على الموت، وهونه علي ) . قال العراقي: رواه في كتاب الموت من حديث ابن أبي الدنيا طعمة بن غيلان الجعفي، وهو معضل، سقط منه الصحابي والتابعي اهـ. قلت: رواه عن محمد بن الحسين قال حدثنا حسين بن علي الجعفي حدثنا طعمة بن غيلان الجعفي قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول فذكره. قال السيوطي في "أمالي الدرة الفاخرة": طعمة من طبقة أتباع التابعين، روى عن وغيره، وعنه السفيانان، وذكره الشعبي في الثقات اهـ. قلت: هو كوفي روى له ابن حبان في مسند النسائي علي.
(وعن الحسن ) البصري رحمه الله تعالى (أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذكر الموت، وغصته، وألمه، فقال: هو قدر ثلاثمائة ضربة بالسيف ) . قال العراقي: رواه في كتاب الموت هكذا مرسلا ورجاله ثقات اهـ. قلت: وفي بعض الأخبار أنه قدر مائة ضربة، وفي بعضها قدر ألف ضربة، كما سيأتي. وذكر المصنف في "الدرة الفاخرة" حديث: ابن أبي الدنيا "لسكرة من سكرات الموت أشد من ثلاثمائة ضربة بالسيف"، قال السيوطي في تخريجه: لم أجده بهذا اللفظ لكن بنحوه. ثم ذكر حديث الضحاك بن حمزة، وسأذكره بعد .
(وسئل صلى الله عليه وسلم عن فقال: إن أهون الموت بمنزلة حسكة ) كانت (في صوف، فهل يخرج الحسكة من الصوف إلا ومعها صوف! ) الموت وشدته، . قال العراقي: رواه في كتاب الموت من رواية ابن أبي الدنيا مرسلا اهـ. قلت: شهر بن حوشب شهر أشعري، شامي، صدوق، كثير الإرسال والأوهام، روى له في الأدب المفرد، البخاري والأربعة. ومسلم، ) . قال (ودخل صلى الله عليه وسلم على مريض ثم قال: إني أعلم ما يلقى ما منه عرق إلا ويألم للموت على حدته العراقي: رواه في كتاب الموت من حديث ابن أبي الدنيا بسند ضعيف، ورواه في المرض والكفارات من رواية سلمان مرسلا مع اختلاف، ورجاله ثقات اهـ. قلت: ورواه كذلك عبيد بن عمير البزار، من حديث والطبراني، ولفظه سلمان، الأنصار، وهو [ ص: 261 ] في الموت، فقال: "ما تجد؟ قال: أجدني بخير، وقد حضرني اثنان، أحدهما أسود، والآخر أبيض. فقال صلى الله عليه وسلم: أيهما أقرب منك؟ قال: الأسود، قال: إن الخير قليل، وإن الشر كثير. قال: فمتعني منك يا رسول الله، فقال: اللهم اغفر الكثير، وأنم القليل. ثم قال: ما ترى؟ قال: خيرا بأبي أنت وأمي، أرى الخير ينمي، وأرى الشر يضمحل، وقد استأخر عني الأسود. قال أي عملك أملك بك؟ قال: كنت أسقي الماء، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إني أعلم ما يلقى ما منه عرق إلا وهو يألم الموت على حدته". أنه صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من
وقد روي نحوه عن رفعه في أثناء حديث: عطاء بن يسار "وما من مؤمن يموت إلا وكل عرق منه يألم على حدة" رواه الحارث بن أبي أسامة بسند جيد. وأما مرسل فلفظه: عبيد بن عمير رواه كذلك "عاد النبي- صلى الله عليه وسلم- مريضا فقال: ما منه عرق إلا وهو يألم منه، غير أنه قد أتاه آت فبشره أن ليس بعده عذاب". في الشعب. وروى البيهقي في الحلية في أثناء حديث أبو نعيم لوائلة بن الأسقع: "والذي نفسي بيده لا تخرج نفس عبد من الدنيا حتى يتألم كل عرق منه على حياله". ورواه عن ابن أبي الدنيا أبي حسين البرجمي مرفوعا نحوه. (وكان رضي الله عنه- يحض ) الناس (على القتال ويقول: إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش ) رواه علي- في كتاب الموت . ابن أبي الدنيا
وفي نهج البلاغة للشريف الموسوي قال: ومن كلامه رضي الله عنه في وقت الحرب: "وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأى من أحد من إخوانه فشلا، فليذب عن أخيه بفضل نجدته التي فضل بها عليه، كما يذب عن نفسه، فلو شاء الله لجعله مثله. إن الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، إن أكرم الموت القتل، والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش".
(وقال ) رحمه الله تعالى: (بلغنا أن الميت يجد ألم الموت ما لم يبعث من قبره ) رواه الأوزاعي في كتاب الموت. وروى ابن أبي الدنيا في الحلية عن أبو نعيم كعب قال: لا يذهب عن الميت ألم الموت ما دام في قبره، وإنه لأشد ما يمر على المؤمن وأهون ما يصيب الكافر. (وقال ) رضي الله عنه: (الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن، وهو أشد من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، وغلي في القدور، ولو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بالموت ما انتفعوا بعيش، ولا لذوا بنوم ) رواه شداد بن أوس في كتاب الموت. وفيه: فأخبر أهل الدنيا بألم الموت. ورواه أيضا عن ابن أبي الدنيا بلفظ: "الموت أشد من ضرب بالسيف، ونشر بالمناشير، وغلي في القدور، ولو أن ألم عرق من عروق الميت قسم على أهل الأرض لأوسعهم المأتم، هو أول شدة يلقاها الكافر، وآخر شدة يلقاها المؤمن". وهب بن منبه
(وعن ) أبي عبد الله (زيد بن أسلم ) العدوي، مولاهم المدني، ثقة، عالم، كان يرسل، مات سنة ست وثلاثين، روى له الجماعة (عن أبيه ) أسلم العدوي، مولى ثقة، مخضرم، مات سنة ثمانين، وهو ابن أربعة عشر ومائة سنة، روى له الجماعة (قال: إذا بقي على المؤمن من درجاته شيء لم يبلغها بعمله شدد عليه الموت، ليبلغ بسكرات الموت وكربه درجته في الجنة. وإذا كان للكافر معروف لم يجز به هون عليه في الموت، ليستكمل ثواب معروفه، فيصير إلى النار ) . رواه عمر، في كتاب الموت عن ابن أبي الدنيا محمد بن الحسين حدثنا موسى بن داود حدثنا عن أبيه ولفظه: "إذا بقي على المؤمن من ذنوبه شيء لم يبلغه بعمله شدد عليه الموت، ليبلغ بسكرات الموت وشدائده درجته من الجنة. وإن الكافر إذا كان قد عمل معروفا في الدنيا، يهون عليه الموت، ليستكمل ثواب معروفه في الدنيا، ثم يصير إلى النار". فالمراد بأبيه هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والضمير راجع إلى زيد بن أسلم، عبد الرحمن. وفي سياق المصنف خطأ ولو قال عن عن أبيه لأصاب . عبد الرحمن بن زيد بن أسلم