الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الوصية في المال ينقص أو يزيد بعد موت الموصي

( قال رحمه الله ) : وإذا كان للرجل ثلاث جوار قيمة كل واحدة ثلثمائة ، فأوصى لرجل بجارية منهن بعينها ، ثم مات فلم يقسم الورثة ، والموصى له حتى زادت تلك الجارية فصارت ستمائة أو ولدت ولدا يساوي مائة أو وطئها رجل بشبهة غرم عقرها مائة أو اكتسبت مائة فهذا كله من مال الميت ; لأن التركة بعد الموت قبل القسمة مبقاة على حكم ملك الميت فهذه الزيادة تجل على حكم ملكه أيضا ، ويكون حصولها قبل الموت وحصولها بعد الموت سواء فإن كانت الزيادة في بدنها فللموصى له تمام ثلث مال الميت منها ، وماله صار ألفا ومائتين فللموصى له مقدار الثلث أربعمائة ، وذلك ثلثا الجارية التي أوصى له بها وثلثها له مع الجاريتين الأخرتين ، وإن كانا ضامنا لها فإنه يسلم له الجارية كلها وتمام الثلث من تلك الزيادة حتى تقع القسمة [ ص: 14 ] في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله : للموصى له الثلث من الجارية ، ومن الزيادة لا يبدأ بشيء من ذلك قبل ، وقد تقدم بيان المسألة في الوصايا ، والمقصود هاهنا بيان أنه يعتبر مال الميت حتى تقع القسمة لا حين يوصي ولا حين يموت ; لأن حق الموصى له في الثلث بمنزلة حق الورثة في الثلثين ، وإنما يتم سلامة الثلثين للورثة عند القسمة ، فكذلك سلامة الثلث للموصى له .

( ألا ترى ) أنه لو ظهر دين قبل القسمة وجب تنفيذه من الأصل والزيادة جميعا .

وإذا كان للرجل أمة تساوي ثلثمائة لا مال له غيرها فأوصى بها لرجل ثم مات فباعها الوارث بغير محضر من الموصى له ، نفذ بيعها في ثلثيها ; لأن الموصى له صار أحق بثلثها ، والوارث أحق بثلثيها ، فإذا كانت ولدت عند المشتري ولدا يساوي ثلثمائة ثم أحضر الموصى له مائة يأخذ ثلث الجارية ، ويكون للمشتري ثلثاها وثلثا الولد ، ويكون للموصى له التسع من الولد ويرد التسعين إلى الوارث ; لأن ملك المشتري يفوت في ثلثيها فيقرر في ثلثي الولد أيضا ولا يكون ذلك محسوبا من مال الميت ; لأنه حدث على ملك المشتري ، وإنما مال الميت الجارية وثلث الولد فيأخذ الموصى له بثلث الجارية ، ويكون له ثلث الولد ، وذلك تسع الولد ; لأنه لا يسلم له بالوصية أكثر من ثلث مال الميت ويرد التسعين إلى الوارث ; لأنه زائد على الثلث بما تناولته الوصية فيكون مردودا على الوارث ، وكذلك المهر ، والكسب في قول أبي حنيفة رحمه الله ، وهذا ; لأنه يبدأ بالجارية في تنفيذ الوصية ثم بالولد ، ولو كانت الجارية زادت في بدنها حتى صارت تساوي ستمائة صار كأن الميت ترك من المال أربعمائة ; لأن في ثلثي الجارية يعتبر القسمة وقت البيع من الوارث ، فإن بيعه من الوارث بمنزلة الاستهلاك ; لأنه ملكه من غيره فيخرج به من أن يكون مبقى على حكم الميت ، فالزيادة الحاصلة في ثلثيها لا تكون محسوبة من مال الميت يبقى مال الميت ثلثها ، وقيمة ذلك مائتا درهم فيكون للموصى له الثلث من ذلك ، وهو ثلثا ثلث الجارية ، قيمة ذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، وللوارث ثلث ثلثيها ، قيمة ذلك ستة وستون وثلثان ، فإذا ضممته إلى المائتين استقام الثلث والثلثان ، ولو لم تزد الجارية ، ولكنها نقصت حتى صارت تساوي مائة درهم أخذ الموصى له ثلثها ورجع على الوارث من قيمتها بأربعة وأربعين وأربعة أتساع درهم ; لأن مال الميت ما صار للوارث مستهلكا له ، وقيمة ذلك مائتا درهم وثلث الجارية قيمته ثلاثة وثلاثون وثلث ، فإن نقصان السعر لا يكون مضمونا على المشتري ، فللموصى له ثلث مائتي درهم وثلث ، ومقدار ذلك ما قال في الكتاب فيأخذ ثلث الجارية ; لأنها هي الأصل ويرجع على الوارث بأربعة وأربعين وأربعة أتساع [ ص: 15 ] درهم حتى يكون السالم له ثلث مال الميت

التالي السابق


الخدمات العلمية