الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثانيا: النص اللغوي والنص الشرعي

يعد النص الشرعي بادئ ذي بدء نصا لغويا منسوجا من جنس لسان العرب، مؤلفا من جمل مترابطة تشكل عناصر ذات دلالات خاصة بها، وتتضافر هـذه العناصر لتؤلف كلاما يفيد قصدا دلاليا معينا.

وهذه قاعدة ثقافية ثابتة لفهم النص الشرعي، واقتضت هـذه القاعدة من علماء التفسير الوقوف عند ظاهر اللفظ باعتباره أساس فهم المعنى، ولم يلتفت إلى الجوانب التاريخية أو النفسية أو الثقافية إلا في إطار ضيق وبحذر شديد؛ خشية الوقوع في محظور التفسير بالرأي، وتبين أن للنص الشرعي ثابتا يلتزم بالوقوف عنده، ومتغيرا يكون عرضة للاجتهاد والتأويل والفهم المجازي، ولا يجوز أن يحول النص الشرعي إلى ميدان للفهم الظاهري الحرفي مطلقا، ولا للفهم الباطـني الذي يجعـل من هـذا النص كتابا رمزيا لا يراد منه ظاهره بل يراد منه فهم كلماته باعتبارها مصطلحات خاصة ذات رموز معينة يستعصي فهمها.

وقد أساء كل واحد من هـذين الاتجاهين إلى النص القرآني والمفاهيم القرآنية؛ لما يتصف به من غلو فكري وشطط منهجي، وبعد عن المنهج الوسط الذي يحكم الأدوات الموضوعية في فهم النص كما أنزل وكما أراده [ ص: 31 ] الشارع الحكيم، وهي دلالات الألفاظ في عهد التنـزيل، وعلوم القرآن، وقواعد الفقه وأصوله، وعادة القرآن الكريم ومنهجه في الخطاب، وأسلوبه في التربية والتعليم والتقريب، وتحكيم القرآن في تفسير القرآن، ثم تحكيم الحديث النبوي القطعي الثبوت أو الظني الثبوت الذي ثبت بخبر الثقة في تفسير القرآن؛ لأن القرآن الكريم محتاج إلى كثير من البيان، وهذه فيه علامة الكلية.

أما السنة فهي لكثرتها وكثرة مسائلها وتفاصيلها بيان للكتاب؛ فالسنة تفسر القرآن الكريم وتبينه وتوضح معانيه، ولا تحتاج إلى إيضاح من القرآن؛ لأنها واضحة المعاني والعبارات



[1] . [ ص: 32 ]

- النص القرآني

جاء القرآن الكريم معرفا بالأحكام الشرعية، وجاء تعريفه بهذه الأحكام كليا لا يختص بشخـص أو حال أو زمـان أو شرط أو ركن أو غير ذلك، وجاءت تلك الأحكام الكلية مستوعبة كل الظروف والأحوال والطاقات، وكلما أحسن الفقيه وتمكن من تنزيل تلك الأحكام الكلية -المجردة من ظروف زمان بعينه أو مكان بعينه- على الوقائع والأقضية، أدرك المقاصد العليا للشريعة .

ويدل على صفة الكلية في القرآن الكريم أنه محتاج إلى كثير من البيان والعرض على المساقات المختلفة، بحسب ما تسمح به مقاصد الشريعة،

وقد جاءت السنة بيانا للكتاب كما قال تعالى: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) (النحل:44)

وكمـا قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من الأنبيـاء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكـون أكثرهم تابعا يوم القيامة. )

[2] ، وإنما الذي أعطي النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، أما السنة فبيان له. [ ص: 33 ] وإذا كان كذلك فالقرآن على اختصـاره جامع، ولا يكون جامعا إلا والمجمـوع فيه أمـور كليات؛ لأن الشريعـة تمت بتمام نزوله؛

لقوله تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم ) (المائدة:3) ،

وقولـه: ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) (النحل:89) ،

وقوله: ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) (الأنعام:38) ،

فعـلى هـذا لا ينبغي في الاستنـباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحـه وبيانه وهـو السـنة؛ لأنه كلي وفيـه أمـور كلية، ولا محيـص عن النظر في بيانه [3] . ولا شـك أن الأداة اللغـوية من الشروط المقدمة في فهم النص القرآني، أو ما اصطلح عليه بـ: «مطلق الفهم العربي لمن حصله» [4] ، ولولا المعرفة بلسان العرب لقال كل برأيه في القرآن الكريم.

ولغة التنـزيل -على عروبتها- تمتاز عن لسان العرب وتتفرد دونه بخصائصها العـالية التي بها اكتسـب القرآن صفة الإعجاز، وهذا ما دفع علماء اللغة إلى الإقبال على دراسة لغة القرآن الكريم؛ حتى ألفوا في: «مشكل تأويل القرآن»، و «غريب القرآن»، و «مجاز القرآن»، و «إعجاز [ ص: 34 ] القرآن»، و «إعراب القرآن»، والتفاسير اللغوية للقرآن

[5] ، فأسفر التأليف في هـذه المواضيع عن تراث ضخم في علوم الشريعة واللغة...

وللنص القرآني أدوات يفهم بها منها:

- الآليات التي يعرف بها المراد؛ كعلوم العربية، وعلم القراءات، والناسخ والمنسوخ، وقواعد أصول الفقه وغير ذلك.

- ومنها ما هـو مأخوذ من ماهية الكلام القرآني ومنـزلته من حيث هـو معجز.

- ومنها ما هـو مأخوذ من عادة الخطاب القرآني وأسلوبه في التعليم والتقريب والمعاملة بالرفق والحسنى.

ويدخل في عادة الخطاب القرآني جملة قواعد وفوائد، منها:

- عدم المؤاخذة قبل الإنذار؛ نحو قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) (الإسراء: 15) ، [ ص: 35 ]

- والإبلاغ في إقامة الحجة.

- وترك الأخذ من أول مرة بالذنب.

- وتحسين العبارة بالكناية ونحوها من المسائل البيانية والمنازع

البلاغية في مواطن الاستحياء.

- والتأني في الأمور والجري مجرى التثبت؛ نحو قوله تعالى: ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) (الإسراء: 106) .

- وكيفية تأدب العباد إذا توجهوا إلى الله بالتضرع والدعاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية