الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : وإذا اختلف البائع والمشتري في الثمن والسلعة قائمة في يد البائع أو المشتري فإنهما يتحالفان ويترادان استحسانا ، وفي القياس القول قول المشتري ; لأنهما اتفقا على أصل البيع وادعى البائع زيادة في حقه وهو الثمن والمشتري منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه لقوله صلى الله عليه وسلم { واليمين على من أنكر } ولكن تركنا القياس بالسنة ، والمروي في الباب حديثان أحدهما حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا اختلفا المتبايعان والسلعة قائمة بعينها فالقول ما يقوله البائع ويترادان } ، والثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا } [ ص: 30 ] فالحديث صحيح مشهور فيترك كل قياس بمقابلته وكان أبو حازم القاضي يقول : إن كانت السلعة في يد البائع فالتحالف بطريق القياس ; لأن كل واحد منهما يدعي حقا لنفسه على صاحبه فإن البائع يدعي زيادة الثمن والمشتري يدعي وجوب تسليم السلعة إليه عند أداء ما أقر به من الثمن فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه قياسا وإن كانت في يد المشتري فالتحالف بخلاف القياس ; لأن المشتري لا يدعي لنفسه على البائع شيئا فإن المبيع مسلم إليه باتفاقهما ، وكان أبو يوسف يقول : أولا يبدأ بيمين البائع وهو قول زفر وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة ; لأن الشرع جعل القول قول البائع وهو يقتضي الاكتفاء بيمينه .

وإن كان لا يكتفي بيمينه فلا أقل من أن يبدأ بيمينه ، ولأن المقصود من الاستحلاف النكول وبنكوله تنقطع المنازعة بنفسه ، وبنكول المشتري لا تنقطع المنازعة ولكن يجبر على أداء ما ادعى من الثمن ، واليمين تقطع المنازعة فيبدأ بيمين من يكون نكوله أقرب إلى قطع المنازعة ثم رجع فقال يبدأ بيمين المشتري وهو قول محمد وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة ; لأنه أظهرهما إنكارا ، واليمين على المنكر ولأن أول التسليمين على المشتري وهو تسليم الثمن فأول اليمينين عليه ولهذا قلنا في بيع المقابضة : القاضي يبدأ بيمين أيهما شاء ; لأنه لا يجب على أحدهما التسليم قبل صاحبه وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه ; لأن نكوله بدل ، أو هو قائم مقام الإقرار ، وإن حلفا جميعا معا ، ذكر في كتاب الدعوى أن في القياس يكون البيع بينهما بألف درهم ; لأن الزيادة التي ادعاها البائع انتفت بيمين المشتري وقد تصادقا على صحة البيع بينهما فيقضي بالبيع بما وقع عليه الاتفاق من الثمن ، ولكنا تركنا القياس وقلنا : يفسخ البيع بينهما بالسنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم ويترادان والمراد رد العقد لا رد المقبوض ; لأن ما يكون على ميزان التفاعل يقتضي وجوده من الجانبين ، وأحد البدلين غير مقبوض ، وقد بينا في السلم أنه إنما يفسخ العقد إذا طلب ذلك أحدهما وأيهما أقام البينة أوجب قبول بينته ، أما البائع فلأنه مدعي حقيقة ، وقد أثبت الزيادة بالبينة ، وأما المشتري فلأنه مدعي صورة ; لأنه يدعي العقد بألف درهم والدعوى صورة تكفي لقبول البينة كالمودع إذا ادعى رد الوديعة وأقام البينة .

وإن أقاما جميعا البينة فالبينة بينة البائع لما فيها من إثبات الزيادة

التالي السابق


الخدمات العلمية