الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7069 ) فصل : وإذا أظهر قوم رأي الخوارج ، مثل تكفير من ارتكب كبيرة ، وترك الجماعة ، واستحلال دماء المسلمين وأموالهم ، إلا أنهم لم يخرجوا عن قبضة الإمام ، ولم يسفكوا الدم الحرام ، فحكى القاضي عن أبي بكر ، أنه لا يحل بذلك قتلهم ولا قتالهم . وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وجمهور أهل الفقه . وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز . فعلى هذا ، حكمهم في ضمان النفس والمال حكم المسلمين .

                                                                                                                                            وإن سبوا الإمام أو غيره من أهل العدل ، عزروا ; لأنهم ارتكبوا محرما لا حد فيه . وإن عرضوا بالسب ، فهل يعزرون ؟ على وجهين . وقال مالك في الإباضية ، وسائر أهل البدع : يستتابون ، فإن تابوا ، وإلا ضربت أعناقهم . قال إسماعيل بن إسحاق : رأى مالك قتل الخوارج وأهل القدر ، [ ص: 8 ] من أجل الفساد الداخل في الدين ، كقطاع الطريق ، فإن تابوا ، وإلا قتلوا على إفسادهم ، لا على كفرهم . وأما من رأى تكفيرهم ، فمقتضى قوله ، أنهم يستتابون ، فإن تابوا ، وإلا قتلوا لكفرهم ، كما يقتل المرتد ، وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : { فأينما لقيتموهم فاقتلوهم } .

                                                                                                                                            وقوله عليه السلام : لئن أدركتهم ، لأقتلنهم قتل عاد { وقوله صلى الله عليه وسلم في الذي أنكر عليه ، وقال : إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله . لأبي بكر : اذهب فاقتله . ثم قال لعمر مثل ذلك ، فأمر بقتله قبل قتاله } . وهو الذي قال : { يخرج من ضئضئ هذا قوم } . يعني الخوارج . وقول عمر لصبيغ : لو وجدتك محلوقا ، لضربت الذي فيه عيناك بالسيف . يعني لقتلتك . وإنما يقتله لكونه من الخوارج ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { سيماهم التسبيد } . يعني حلق رءوسهم .

                                                                                                                                            واحتج الأولون بفعل علي رضي الله عنه فإنه روي عنه ، أنه كان يخطب يوما ، فقال رجل بباب المسجد : لا حكم إلا لله . فقال علي : كلمة حق أريد بها باطل . ثم قال : لكم علينا ثلاث ; لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله تعالى ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا ، ولا نبدؤكم بقتال . وروى أبو يحيى ، قال : صلى علي رضي الله عنه صلاة ، فناداه رجل من الخوارج : { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } . فأجابه علي رضي الله عنه : { فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون } .

                                                                                                                                            وكتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز : إن الخوارج يسبونك . فكتب إليه : إن سبوني فسبوهم ، أو اعفوا عنهم ، وإن شهروا السلاح فاشهروا عليهم ، وإن ضربوا فاضربوا . ولأن { النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للمنافقين الذين معه في المدينة } ، فلأن لا يتعرض لغيرهم أولى . وقد روي في خبر الخارجي الذي أنكر عليه { ، أن خالدا قال : يا رسول الله ، ألا أضرب عنقه ؟ قال : ، لعله يصلي . قال : رب مصل لا خير فيه . قال : إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس . }

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية