الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حين أنصح أسرتي لا يتقبلون كلامي ويصفونني بالمتشدد!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا إنسان عصبي، هذه من الضروري أن أعلمكم بها، وإذا تكلمت مع أهلي في أمور الدين يردوني ولا يسمعون مني، فهم يتساهلون كثيراً، ويقولون: أنت متشدد، فاهم للدين بشكل خاطئ...الخ.

مع أني أقول لهم أحاديث صحيحة غير ضعيفة، وأعطيهم فتاوى من علماء كبار، مثل ابن عثيمين وابن باز وغيرهم، وآخر مواضيع خالفوني فيها هي:

1- شراؤهم أظافر صناعية لأختي، مع أنها بعمر 12 سنة، وأقول لهم: حرام، فيردون: لا، ليس بحرام، وهي صغيرة لا تعرف، فأقول لهم: أنتم ستحاسبون مكانها، ولا حياة لمن تنادي.

2 يشترون ألعاباً وتماثيل لرمضان، والمناسبات الدينية، بحجة إسعاد الصغار.

3- أبي يعمل في مدينة أخرى، ويطلب مني أن أوصل أهلي لمطار مدينتنا ليستقبلهن هو هناك، مع أنه باستطاعته الرجوع لأخذهن، أو أن يحجز لي أذهب معهن وأرجع في نفس الوقت، وفي الحالتين السفر ليس لضرورة أبداً.

عندما أخبر النساء بأن ما يفعلنه حرام، وأنهن يحتجن لمحرم، يقلن: أنت عملت نفسك شيخاً علينا، وأنت متشدد، والكثير من العلماء قالوا بأن سفر المرأة الآن وحدها حلال لأنه آمن، وأنت تختار ما يعجبك من الدين فقط، ولا تطبق أصلاً.

أنا في الحقيقة ما كنت أصلي في المسجد، وما كنت أرخي لحيتي، وعندما تبت وغيرت ما في داخلي ومظهري الخارجي لمظهر أكثر تديناً، أصبحوا يردون علي هكذا، فأحس نفسي تراخيت في أمور الدين لا ذهاب للمسجد، ولا صوم، ولا تلاوة للقرآن، فقد كرهوني فيها، وفي نفس الوقت إذا لم أقم بها، ونصحتهم، أحس نفسي منافقاً!

عموماً أنا عصبي، فأرد عليهم أحياناً بالصمت، لأنني أحياناً أفقد السيطرة، وأقول كلاماً جارحاً بدون قصد مني، وأذهب وأتأسف بعد المشكلة، وهنا المشكلة، لأني بعد أن أغضب لا أحد يستمع إلي، ويفشل الموضوع.

أمي وأبي يعاتبونني أمام إخوتي وأخواتي الكبار والصغار، وتأتي إلي أختي الصغيرة، وتقول لي: نحن لا نحبك، ولا نريدك معنا، ونفرح عندما تذهب للعمل، وأنت متشدد، مع أنها لا تعرف معناها، فقط تسمع أهلي يقولونها.

علماً بأني أحزن من هذا الكلام، لأنني أحبهم وأريد لهم الخير، ولكن أسلوبي في النصح لا ينفع، وبالذات إذا بدأ الشخص أمامي يستهزئ بي.

أرجوكم، اعطوني الحكم في المواضيع التي أخبرتكم بها، وكيف أتعامل مع العائلة الكريمة بعيوبهم؟ فأنا أحبهم، وأنا لست بشخص كامل لأحكم عليهم، فلدي ذنوبي وأخطائي، ولكني لا أعرف كيف أعبر لهم عن مشاعري أبداً، فأنا إنسان لا أحب الكلام الكثير، ولا الخروج كثيراً.

شكراً لكم، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نشكر لك غيرتك على دينك، وحرصك على صلاح أهلك، ودلالتهم على الخير، وهذا من خصال الخير التي رزقك الله إياها، فنسأل الله تعالى أن يزيدك خيراً، وأن يتولى توفيقك وتسديدك، وأن يعينك على نفسك.

ثانياً: هذا الخلق الذميم، وهو الغضب وسرعة الغضب ينبغي أن تجاهد نفسك لتجنبه، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بأن لا يغضب، وقد جاء هذا الرجل يقول: أوصني يا رسول الله، فقال: (لا تغضب)، فسأله مرة ثانية، فقال: (لا تغضب)، فعلها مراراً، والحديث في صحيح البخاري، ومعنى لا تغضب، أي: لا تأخذ بالأسباب التي تؤدي بك إلى غضب، وإذا حصل الغضب فلا تستسلم له وتدعه يقودك حيث يشاء.

إذا جاهدت نفسك للتخلص من هذا الخلق فإنك ستعان بعون الله تعالى، وينبغي أن تتفقه في دينك -أيها الحبيب- وتعرف وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعلم ما الذي ينكر وما الذي لا ينكر، وكيفية الإنكار على الوالدين؛ فهذه كلها أحكام شرعية ينبغي أن تتفقه فيها، فلا يجوز للإنسان أن ينهى الوالدين حتى يغضبهما، ولا يصح أن ينهى الإنسان عن أمر مختلف فيه بين العلماء، ما دام الآخر يعمل بقول عالم ويثق برأيه، فالمختلف فيه بين العلماء لا إنكار فيه، والإنسان قبل البلوغ غير مكلف فلا يجري الإثم عليه.

إذا كانت أختك هذه غير بالغة فإذا فعلوا ما ذكرت معها فإنها لا تأثم، وأما هل يأثمون هم أو لا يأثمون؟ فهذا محل خلاف بين العلماء، وشراء اللعب والتماثيل للأطفال لإفراحهم في المناسبات كرمضان والأعياد، ونحو ذلك، لا حرج فيه، وسفر النساء مع الرفقة المأمونة إذا كان لطاعة من الطاعات فإن بعض فقهاء المسلمين يجيزه بغير محرم، كما أن بعض المعاصرين يرى بأن الأسفار في الطائرات ونحو هذا مما يكثر فيها الرفقة لم يعد كالسفر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فلعل أهلك اطلعوا على بعض هذه الآراء الفقهية، وأخذوا بها، ومن ثم تكون هذه المسألة محل خلاف.

على كل حال -أيها الحبيب- فإنك تجهد نفسك وتتعبها وتجعل الآخرين ينفرون منك حينما تبدأ بإنكار المختلف فيه، فينبغي أن تحرص أولاً على ترقية نفسك وترقية أهلك من حولك بالعمل بالفرائض المجمع عليها، وترغيبهم في الإكثار من الخيرات، فإن الإيمان يزيد بالطاعات، فإذا زاد الإيمان وقوي في القلوب فإنه هو المحرك بعد ذلك لهذا الإنسان نحو الزيادة من الخيرات، واجتناب المحرمات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان قيد الفتك) فهو الذي يقيد الإنسان عن ما يخله.

نصيحتنا لك أن تبدأ بترغيب نفسك أولاً، وترغيب أهلك بفضائل الأعمال، وتعديل الأوقات، وملئها بما ينفع، كسماع المواعظ التي تذكر بالجنة والنار، ولقاء الله سبحانه وتعالى، وقراءة القرآن، وحاول أن تكسب الصغار من أسرتك، بالتحبب إليهم، بإهدائهم بما يدخل الفرح والسرور على قلوبهم، وافعل ذلك إن استطعت أيضاً مع الكبار، وبادر بالاعتذار حين الإساءة، وعليك بالخلق الحَسَن، وحُسْن التعامل معهم والتلطف لهم، لأنك تريد كسب قلوبهم، وهذا لا يتأتى إلا بالخلق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

نكرر وصيتنا لك بضرورة التفقه في الدين، وضرورة معرفة حدود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تعلم حكم الشيء الذي تريد أن تنكره على الآخرين قبل أن تمارس هذا الإنكار، نحن على ثقة تامة -أيها الحبيب- من أن جهودك لن تضيع، وأن الله سبحانه وتعالى سيجعل لك محبةً في قلوب أهلك إذا التزمت هذه التوجيهات، وهذه الآداب في كيفية التعامل معهم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجري الخير على يديك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً