الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب الوسواس القهري أشك أني تلفظت بكفر!

السؤال

السلام عليكم
 
أعاني من الوسواس القهري، وآخذ علاجاً، وفي إحدى المرات استيقظت وكنت متضايقاً؛ لأن ذلك الوقت ليس الموعد الذي أستيقظ فيه، وكنت جالساً أشاهد فيديو على (السوشال ميديا)، وكان شيء خلف ظهري يضايقني، فأزلته من خلف ظهري، وأظن أني قلت كلاماً فيه كفر، في سري، ولكني أشك أني تلفظت، ولا أستطيع أن أجزم هل تلفظت أو لا؟

كنت أحاول أن أتذكر ما حصل، فكررت بداخلي شيئاً من الكلام الكفري، حتى أحاول أن أتذكر إذا كنت تلفظت به أو لا؟ فحصلت حركة صغيرة جداً من اللسان تكاد لا تذكر، أو حتى أظن أني أوسوس في حركة اللسان، لأنه تكاد تكون معدومة، ولم يكن هناك أي لفظ للحروف أو حتى لمخارج الحروف، فهل حصل مني كفر؟ وما هو الكلام الذي يحاسب عليه الإنسان؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم المبارك- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يمن عليك بالصلاح والهداية، وأن يسدد خطاك إلى ما يحبه ويرضاه، إنه جواد كريم.

أخي: نريدك أن تطمئن تماماً، ولا تقلق، ولا يضطرب فؤادك، فأنت مؤمن، ولم تخرج عن أصل الإيمان، وقد ذكرت ما يؤكد ذلك، فالذي أنت فيه وساوس شيطانية، يحاول الشيطان من خلالها خداعك، فلا تستسلم له.

أخي: اعلم أن كل ما يلقيه الشيطان في عقولنا أو قلوبنا مما تنكره القلوب والعقول، هو وسواس وليس بضارنا شيئاً، بل على العكس مقاومتك له عبادة، وتألمك مما يلقيه في قلبك وعقلك هو صريح الإيمان، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

نود أن تقرأ معنا هذا الحديث بتمعن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟) قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: (ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ).

هؤلاء جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قالوا له: إنا نجد في أنفسنا الشيء القبيح، نحو (من خلق اللهَ)؟ ونحو ذلك مما يتعاظم النُّطق به، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم، بأن هذا صريح الإيمان، لأن الحزن الذي أصابكم دليل إيمانكم، وهذا الإيمان هو المانع من قبولكم ما يُلقيه الشَّيطان في أنفسكم والتَّصديق به.

خذ هذه القاعدة حتى لا يدخل عليك الشيطان من مداخل أنت بعيد عنها: كل ما يلقى على ذهنك، تحرك به لسانك أم لم يتحرك مما لا تعتقده أو لا تؤمن به، أو يضايقك، فلا عبرة به ولا كرامة.

اعلم -أخي- أن الشيطان يريد أن يوهمك عكس ذلك، والغرض من فعله: تشكيك في تدينك وصلاتك وعبادتك، وشغلك بما لا تعتقده حتى يذبذب إيمانك، لكنك تستطيع -بعون الله- دحره، لو علمت الفارق بين الوسواس وبين ما يسكن القلب من الشبه.

المؤمن هو من يجد كرهاً وخوفاً كالذي وجدته، وأنت تقص سؤالك الآن، وأنت تتحدث بقلق، خوفاً من أن تكون قلت كفراً عياذاً بالله، هذا من علامات الإيمان.

عليه فلا تلتفت لتلك الوساوس، وخذ هذه النصائح التي نكررها لكل من ابتلاه الله بالوسوسة، فهي نصائح نافعة -بعون الله-:

أولاً: اعلم أننا نحن من نضخم شأن الوسواس، وكذلك من نهونه، نعم -أخي- نعظمه حين لا نفهم طبيعته، ولا نعامله بالتفاهة التي يستحقها، وبأيدينا بعد توفيق الله دحره إذا علمنا طريقة التعامل معه.

ثانياً: بيئة الوسواس التي ينتشر فيها هي بيئة التفكير السلبي، وهو يعتمد في ضحيته على أمرين:
- إظهار ضعفه وخوفه وعجزه عن مقاومته.
- إضعاف ثقته بنفسه ودينه وربه، بل وعالمه، وكل محيط به.

لذا أول ما ينبغي عليك فعله تحويل كل أمر سلبي في حياتك إلى إيجابي، مع ربط الوسواس بالسخف، ولا يكتفي أن يكون ذلك اعتقاداً داخلياً، بل يلزم التلفظ به بلسانك.

هذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدًّا، فحين يستخف الإنسان بشيء فسيحتقره، وحين يحتقره سيحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس يُصبح وكأنه ليس جزءًا من حالة الإنسان.

ثالثاً: ننصحك بقراءة كتاب مبسط في العقيدة، مثل كتاب 200 سؤال وجواب -حول العقيدة- للحافظ الحكمي، كبداية لك، كما ننصحك بسماع بعض الشروحات هنا على موقعنا إسلام ويب.

رابعاً: ابتعد عن الاسترسال مع الوسواس، أو الرد عليه، بل تجاوز حتى مناقشته، تعامل معه باستخفاف زائد، وثق أن الله الذي خلقك هو من يعلم حالك، وهو من يرحمك، وهو من يعينك، فلا تقلق من المحاولات البائسة من الشيطان لإفساد ما بينك وبين الله.

أنت على خير كبير، فانهض لصلاتك ونافلتك، وكتاب ربك، وأذكارك، فهي الأمن والأمان من كل المخاوف.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً