الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دخلنا في الإسلام وبقي الحجاب نقطة خلافنا مع والدي!

السؤال

السلام عليكم

أسلمت أنا وأخي وأختي منذ سنة تقريباً، وواجهنا بعض المشاكل الصغيرة مع والدينا، والتي حلت بعد ذلك، وأقنعتهم بدين الله، وأصبحوا يصومون ويصلون، ولله الحمد.

لم تكن أختي قد لبست الحجاب، والآن بدأت بلبسه، وقابلنا والدي بإنكار شديد، ورفض تام، يبدو لي بسبب الظروف الاجتماعية، وأنتم تعرفون؛ حيث إن أهلي وأختي لم يشهروا إسلامهم، ونحن في بلد أجنبي، وغضبوا غضباً شديداً، فما نصيحتكم؟ هل نتجاهلهم وهم سيعاملوننا بطريقة سيئة، وسنتأثر نفسياً؟

علماً بأنا ناصحناهم، ولكنهم قبلوا كل شيء في الإسلام إلا هذا، هل ننتظر أختي كي تنهي دراستها الجامعية، بعد عدد من السنوات، وتهاجر إلى بلد إسلامي، وهناك قال والداي: إنهم لا يعارضون الحجاب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك – ولدنا الحبيب – في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نُهنِئُكم بما مَنَّ الله تعالى به عليكم وأنعم بهدايتكم إلى الإسلام، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإيَّاكم على دينه الحق حتى نلقاه.

قد أحسنت -أيها الحبيب- حين بادرت إلى دعوة أهلك إلى الإسلام، فإنهم أولى الناس بإحسانك وبِرِّك ومعروفك، وأعظم بِرٍّ تُقدّمه لهم أن تحاول إنقاذهم من النار، وإسعادهم في دنياهم وأُخْراهم بدخول دين الإسلام، ولا بأس -أيها الحبيب- في أن تُؤخّر الحديث معهم عن بعض شرائع الإسلام التفصيلية، إذا كان ذلك سببًا في إسلامهم ورغبتهم في دين الله تعالى، وسيشرح الله تعالى صدورهم بعد ذلك للقبول بكل تفاصيل الإسلام وفروعه، فربما أحاطت بعض الشعائر الإسلامية ظروف من التشويه والتخويف وغير ذلك تجعل غير المسلمين ينظرون إلى هذه القضايا بمنظار يُخالفُ ما ننظر به نحن أهل الإسلام.

ينبغي أن تتفهم هذا جيدًا، وأن تُدرك تمام الإدراك أن الإسلام دينٌ جاء لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم، وأنه يُرتّب هذه المصالح كما يُرتّب المفاسد، فيُقدّمُ جلبَ المصلحة العُليا ولو كان ذلك بتفويت مصلحة صُغرى، كما يُقدِّمُ دفع المفسدة الكبرى ولو كان بارتكاب مفسدة صُغرى... وهكذا، والشواهد على هذا من القرآن والسُّنّة كثيرةٌ جدًّا.

أمَّا أخُتك هذه التي أسلمت وقد شرح الله تعالى صدرها للإسلام وللحجاب؛ فينبغي أن تلتزم به، فإنه فريضة من فرائض الله تعالى، كما قال سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]، والأحاديث في هذا معلومة.

لكن إذا خشيت المرأة على نفسها ضررًا أكبر، كأن يُعتدى عليها أو نحو ذلك؛ فينبغي أن تتجنّب ما فيه سبب هذا الاعتداء، فتُلازم بيتها حين لا يدعوها حاجة للخروج، وإذا خرجت فتستعمل من الحجاب ما يُؤدي الفرض، بتغطية الرأس ولبس ألبسة تكون قريبة ممَّا يُلبس في المجتمع، مع تحصيل المقصود الشرعي من ستر الجسم؛ كلُّ ذلك لتقليل المفاسد التي قد تتوقعُها أو قد تحصل لها إذا هي أخذت بالأحكام الكاملة للحجاب.

من جملة الأحكام أيضًا أنها إذا كانت تستطيع الانتقال من هذا البلد الذي لا تتمكّن فيه من إقامة شرائع دينها إلى بلدٍ آخر تتمكّن فيه من إقامة الدّين؛ فحينها ينبغي أن يُهاجر المسلم من هذه الأرض إلى أرضٍ أخرى، فأرضُ الله واسعة.

أمَّا إذا كان موضوع الحجاب هو فقط المُسيءٌ للوالدين؛ فيمكن لهذه البنت أن تتحجّب عندما تغيب عن نظرهما، وبذلك تُؤدي فرض الله تعالى عليها، وفي نفس الوقت تتجنّب إغضاب والديها، وتتألَّف قلوبهما للإسلام.

هذا ما يمكن أن نقوله -أيها الحبيب- في مثل هذه القضايا على وجه الإجمال، وأن يكون المسلم ساعيًا بقدر طاقته واستطاعته لتنفيذ أوامر ربه، ممتثلًا قول الله سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [التغابن: 16]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتُوا منه ما استطعتم).

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتكم على الدّين، وأن ييسّر لكم القيام بفرائض رب العالمين، إنه جوادٌ كريم وبخلقه رؤوف رحيم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً