الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي تلزمني بالإنفاق على أخوتي المتكاسلين عن العمل، فكيف أتصرف؟

السؤال

السلام عليكم
لو سمحت -يا شيخنا- لدي زوجةٌ وأولادٌ أربعةٌ، وأعمل موظفاً، وراتبي على قدر مصاريف بيتي، وأعمل عملاً آخر من أجل سداد ما عليّ من ديون شهرية، وأمي تقيم مع إخوتي في منزل العائلة، وأرسل لها كل شهر مبلغاً من باب صلة الرحم، ولكنها لا تكف عن الطلبات لإخوتي، وكلهم أكبر مني، ولا يعملون تكاسلاً، وقد تركت ميراثي من أجل أخي؛ لأن لديه أولادًا، ولأنه مصابٌ وعاجز عن العمل.

لقد تزوجت وأنفقت على نفسي بدون مساعدة منهم، ورغم ذلك فأمي لأنها تعلم أني أريد أن أرضي الله في بري بها، فهي تحملني ما لا طاقة لي به، وتريد الآن أن أساعد في زواج ابنة أخي، رغم أني لا أستطيع، وغاضبة مني، وذلك بإيعاز من إخوتي الآخرين الذين لا يعملون، وتقول لي: إن إخوتي ليس لديهم المال، أما أنت فموظف، دبر لها المال، فهل إن كنت لا أستطيع ذلك سيغضب عليّ رب العالمين، وأكون شقياً لعدم بري بأمي، رغم أني لا أقصر معها، في أي وقت، ورغم تقصيرها هي وإخوتي في حقي كثيراً؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ المصري حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص سؤالك فإننا نقول لك:

جزاك الله خيراً على ما بذلت لأهلك من نفقة، واعلم أن هذا لن يضيع عند الله تعالى، وأن الله سيخلف عليك، وسترى بركة هذه النفقة في نفسك وعافيتك وأولادك إن شاء الله.

وهنا لا بد أن نقرر قاعدةً:
النفقة -أخي الكريم- واجبةٌ عليك تجاه من تعول، وأولهم نفسك وزوجتك وأبناؤك بما يكفي بالمعروف، لما رواه مسلم عن جَابِرٍ -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك).

وقد روى مسلم من طريق أبي قِلَابَةَ عن أبي أَسْمَاءَ عن ثَوْبَانَ قال: قال رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ على عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ على دَابَّتِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ على أَصْحَابِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ. قال أبو قِلَابَةَ وهو عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي من أئمة التابعين: وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ ثُمَّ قال أبو قِلَابَةَ: وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا من رَجُلٍ يُنْفِقُ على عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمْ أو يَنْفَعُهُمْ الله بِهِ وَيُغْنِيهِمْ).

وأما النفقة على الوالدين فهي كذلك واجبة عليك إذا لم يكن لهما ما يكفيهما، ووجوبها هذا يشملك وإخوانك جميعاً، أي أن إخوانك كذلك ملزمون بالإنفاق على الوالدين، فإن كانوا فقراء فالوجوب عليك وحدك على قدر طاقتك، أما النفقة على إخوتك أو أولادهم فهو فضل لا فرض، وهو أجرٌ من أعظم الأجور وأرفعها، ونريدك هنا أن تطلع على فوائد الصدقة في المواد الموجودة بموقعنا.

وعليه: فالوالدة حين تطلب منك لإخوانك أو لأبنائهم ما لا تقدر عليه، فلا تخش شيئاً وأنت لا تقدر، واعلم أن الله لن يضيع عملك، ولن يحاسبك بقول أحد ما دمت غير قادر على فعله؛ فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها.

لكن نرجو منك الإحسان ما استطعت مع إخوانك وأولادهم، وإن لم تستطع أن تعين بالمال فأعن بالمشورة أو النصيحة، وإن لم تقدر على الصدقة بالبذل فأنفق عليهم بحسن القول وبسمة الوجه، فتبسمك في وجوههم صدقة يا أخانا.

كما ينبغي ألا يفوتك أن الوصال الحقيقي للرحم ليس عن معاوضة، بل هو وصلهم مع تحمل أذاهم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس الواصل بالمُكَافِئِ ، ولكنَّ الواصل الذي إذا قَطعت رحِمه وصَلَها».
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافىء" كما قال أهل العلم: أي ليس الإنسان الكامل في صلة الرحم والإحسان إلى الأقارب هو الشخص الذي يقابل الإحسان بالإحسان، بل الواصل حقيقة الكامل في صلة الرحم هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها، حتى لو أساؤوا إليه، ثم قابل الإساءة بالإحسان إليهم، فهذا هو الواصل حقاً.

فاحتسب الأجر وراقب مولاك وأحسن إلى رحمك، ولا يضرك بعد ذلك ما لم تقدر عليه.

نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً