الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أجمع بين الطاعة والإحسان، والتعامل مع زوج يهينني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كيف أجمع ما بين الطاعة، والإحسان للزوج، والتعامل معه عندما يهينني ويخطئ في حقي؟ فأنا إذا تجاوزت عنه اعتاد وزاد في أفعاله، وإذا أجبته وغضبت، يقول إني لا أطيعه، وستسخط عليّ الملائكة، وربي يغضب علي، مع العلم أنه لا يعترف بالخطأ مهما كان كبيرًا، ولا يستحي من أفعال نعتبرها عيبًا، وهو يهجرني في الفراش طويلًا، إذا لم أذهب إليه وأترجاه أن يسامحني، مع أنه المخطئ، وهو عنيد، ومتسلط، وإذا كان الخطأ مني يضخمه، مع العلم أنه يحسن إليّ غالب الوقت، إلا أنه في الخصام يفجر.

أنا أخطأت في حقه قليلًا، لكن الأمر انتهى بنقاش لطيف، لكني وجدت أنه يعاملني بتكبر، ويصرخ علي، ويقول: أنت بهيمة، ولا تفهمينني، ولا تصلحين لشيء، بصراخ وطريقة سيئة، فغضبت ولم أرد عليه، بل لم أكلمه!

الآن مر أكثر من أسبوع لا نتحدث إلا عن حاجيات الأطفال، وينتظر أن أذهب إليه وأترجاه، وهذه عادته منذ تزوجنا! حقيقة أنا لا أتمناه، وأحقد عليه بعض الشيء؛ لأنه في أوقات الرضا يكون لطيفًا، لكن في وقت الخصام يهينني، ويعيرني كثيرًا، ويقول: أنت تكفرين العشير، وإذا هو أساء لي فلا يحق لي الرد؛ لأنه يصرف علي، ويعاملني بلطف، لكن حتى لطفه فيه لؤم أو هكذا أرى، مع أنه السبب.

علمًا أنه من عائلة مفككة، وأبوه رجل سيء الطباع، وأمه تقول إنه ورث طباعه عن أبيه، وأنا من أسرة أيضًا غير متزنة، وأبي كان يسيء لأمي كثيرًا، ولا أعرف التصرف مع الزوج، فأمي وأبي كانا دائمًا على خصام، وهو لا يعرف كيف يكون أبًا، والآن أخاف على أطفالي من تصرفاتنا.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبد الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُصلح ما بينك وبين زوجك، ويُديم الألفة والمحبة بينكما.

ثانيًا: نشكر لك تواصلك بالموقع -ابنتنا الكريمة-، ونتفاءل بما أنت عليه من الاسترشاد وسؤال الآخرين، نتفاءل بهذا السلوك، بأن نتوقع أن يرزقك الله تعالى البصيرة، وحُسن التناول لأمورك وموضوعات حياتك، فتخرجين بأحسن الحلول -إن شاء الله-.

ثالثًا: نُذكّرك -ابنتنا الكريمة- بشيءٍ يعلمه الجميع، وهو أن هذه الحياة لا تخلو أبدًا من الأكدار والمُنغِّصات، فلا تصفو لأحد، والعاقل هو الذي يُقارن بين المساوئ والمحاسن، وإذا وجد أن المحاسن تغلب المساوئ، والخير يغلب الشر، فعليه أن يُكثر من حمد الله تعالى وشكره على ما هو فيه.

كما أنه ينبغي للإنسان أن يحمد الله تعالى على أي قدرٍ، ولكن إذا كان الغالب هو الخير، فهذا إحسانٌ عظيمٌ من الله تعالى وتيسيرٌ كبير، وهذا هو ما نرجو أن تفعليه مع زوجك، المقارنة بين محاسنه ومساوئه، فهذه المقارنة هي التي ستبعث في نفسك الرضا، وتزرع في قلبك الأمل، وتحوّل المُرّ العلْقم إلى الحلو اللذيذ، وأنت محتاجة إلى هذا السلوك في حياتك الطويلة، فالحياة الزوجية عشرة طويلة، مُدتها الحياة كلها.

قد أحسنت حينما فكّرت في جانب أسرتك، والخوف على أطفالك، وهذا كلُّه لا بد من التعامل معه برويَّة واتزان وعقل، وتحمُّل بعض الأضرار والأكدار، فهذه طبيعة الحياة التي لا تخلو منها أبدًا، ولا تظني أبدًا أن أحدًا تخلو حياته منها، والرسول ﷺ قد أوصى بهذا النوع من الوصايا، وبضرورة الموازنة، فأوصى الرجل -وهو خطاب للرجل وللمرأة في آنٍ واحدٍ-، فقال ﷺ: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إنْ كَرِهَ منها خُلقًا رضيَ منها آخر)، أي: لا يُبغض الإنسان المؤمن زوجته المؤمنة؛ لأنه يجد فيها خُلقًا سيئًا، فإنه سيجد في المقابل أخلاقًا حسنة، وأنت كذلك، وأنت تشهدين بهذا أيضًا أنك تجدين في زوجك أشياء كثيرة إيجابية وحسنة، فينبغي لك إذًا أن تتحمّلي ما تجدينه منه من مساوئ، وألَّا تسمحي للشيطان بأن يتسلّل إلى قلبك، ليغرس فيه البغضاء، والكراهية، والنفور من زوجك.

فتذكيرُك لنفسك بإيجابيات زوجك ومحاسنه يدعوك إلى مزيد من الحب، ويُسهّل عليك القيام بحقوقه على وجهٍ تشعرين معه بالرضا والطمأنينة والسكينة.

وصيتنا -ابنتنا الكريمة- أن تكوني له بمنزلة الأمة المملوكة والعبدة الذليلة، وستجدينه يُبادلك نفس الشعور حينها، فكما جاء في وصايا الأعرابية الحكيمة لبنتها: (كوني له أمَةً يكن لك عبدًا)، اصبري عليه وستجدين نتائج الصبر لذائذ ومسرّاتٍ، فالصبر مثْلُ اسمه مُرٌّ مذاقتُه، لكن عواقبُه أحلى من العسل.

وتجربتُك الأسرية كافية لإرشادك نحو هذا الطريق، كما أن تجربتَهُ هو كذلك كافية لتبصير الطرفين بالمساوئ السابقة.

ليس شيءٌ أنفع -أيتها البنت الكريمة- من الصبر واحتساب الأجر عند الله سبحانه وتعالى، وتحمُّل شيءٍ من الأذى، فإذا فعلت ذلك وُفقت كل التوفيق.

نسأل الله تعالى التيسير والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً