الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي اعتاد على إهانتي عند النقاش، فكيف أتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعتذر إذا كان سؤالي طويلاً، لكني محتاجة للإفادة، جزاكم الله خيراً.

المشكلة مع زوجي، هو شخص جدي ويتقي الله فيّ، ويخاف الله، ولكنه عصبي جداً، وأنا أحاول أن أتفادى هذا، والحمد لله أنا صبورة وأتحمله كثيراً وقت غضبه وأتركه حتى يهدأ، وأسعى لإرضائه وأبتعد بقدر الاستطاعة عن ما يغضبه، لكنه لا يتفاهم ولا يهتم أن يسمع ما يضايقني، وهو يرى أن أي نقاش يعني شجارا!

تكلمت معه أن النقاش لا يعني شجارا، بل أن نتناقش بهدوء ونحل الأمر، وهو يتهمني باللف والدوران، وأنا لا أرى ذلك! هو لا يريد أي عتاب أو انتقاد حتى ولو بأسلوب جميل هادئ، يريد أن لا أعارض ولا أغضب، ولا أن أقول غير حاضر، رغم أني مطيعة ولكن لأني إنسانة أغضب أحياناً وأحتاج لأناقشه في أمر، ليس للمعارضة، ولكن محاولة لإقناعه وذلك لا يرضيه.

لا أتحمل التعامل معه! أصالحه كثيراً، حتى لو أرى أن الخطأ منه، ولكنه عندما يغضب يتفوه بكلام جارح فيه إهانة! قلت له من قبل لو أهنتني بكلامك لن أسامحك أمام الله، إلا أنه يكررها لدرجة أني أحزن على نفسي، ومع ذلك أرضيه بعدها.

اقترحت منذ فترة أن يقرأ على مياه ونشرب منها، ولا أرى جديداً، ولا أعلم هل هو حسد أم ماذا؟ هو محفظ قرآن، ويقيم الليل، ويواظب على أذكار الصباح والمساء.

الآن حصل بينا نقاش أدى إلى إهانته لي! وقلت له بعد إذنك لا تهينني فلنتناقش بهدوء، ولكنه استمر في سبي وإهانتي، ومن يومها ونحن على خصام، وهو ينام في غرفة أخرى، واليوم هو الثالث ولا أريد أن نتخاصم فوق الـ 3 أيام، ولكني لا أستطيع أن أرضيه، فهو اعتاد على إهانتي، ويعلم أني سأذهب لإرضائه، وذلك يجرحني ويشعرني أنني بلا كرامة، أرجو نصيحة فضيلتكم، كيف أتعامل معه؟

للتوضيح: سبب غضبه أنني أناقشه، وسبب غضبي إهانته لي وعصبيته، خصوصاً أن الموضوع من البداية تافه.

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ om hamza حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يكرمك وأن يبارك فيك وأن يحفظك لك زوجك، وأن يديم عليك نعمة التدين والوئام إنه جواد كريم.

أختنا: دعينا نبدأ من آخر كلمة قلتيها فإن فيها مفتاح الحل -إن شاء الله-: (الموضوع من البداية تافه)، والسؤال الذي يجب أن يطرح: لماذا تطور الأمر التافه إلى الخصام؟

الحق أن هذا يحتاج إلى فهم عدة أمور:

أولاً: الحياة الزوجية لا تبنى على التطابق، ولكن تبنى على التكامل، فلن تجدي أحداً يتطابق معك في الميول والرغبات تطابقاً تاماً حتى لو كان أحد إخوتك، وهذا أمر ينبغي أن يكون حاضراً في الذهن لمن أراد الحياة الزوجية السعادة، الأسرة المستقرة أختنا من تتفهم أن التغافل عن الهنات وتجاوزها سر بقاء الحياة مستقرة.

ثانياً: للزوج والحمد لله ميزات كثيرة، نسأل الله أن يتمها عليك وعليه بالخير، فهو حافظ لكتاب الله مقيم الليل محافظ على أذكاره، وهذه كلها علامات صحة ينبغي استحضارها عند أي مشكلة.

ولك أن تسألي: لماذا يجب استحضار ميزات الزوج عند المشكلة؟

ذلك أن الشيطان عند الخلاف يعمد إلى أمرين:

1- تضخيم أخطاء الزوج إلى أبعد مدى يمكن أن يصل إليه، مع التهوين من حسناته أو ميزاته، وبذا تضعف قابلية الزوجة للإصلاح.

2- إيقاظ (الأنا) في قلب كل طرف من منطلق صحيح، فالمرأة تشعر أنه المخطئ وقد يكون الحق معها، والرجل يشعر أنه المصيب وقد يكون الحق على خلافه، لكن نظرة كل طرف إلى ذاته تجعل البون يتسع والخرق يزيد.

ثالثاً: من خلال حديثك بدا لنا اهتمامك بتدينك والحرص على عدم مخالفة أمر ربك ونبيك، وهذا مما يحمد لك نسأل الله أن تكوني خيراً مما نظن، كما ظهر أن ما تريدينه من حوار هو حق لك، ونحن لا ننازع فيه قط، ولكن ننازع في طريقة الوصول إليه، فنحن لا نرى الخصام طريقاً ممهداً للحوار، بل نراه عقبة كأداء، وكل يوم يمر على الخصام يتحرك فيه الشيطان بأريحية شديدة مما يباعد بين الزوجين وهذا ما لا نريده.

أختنا: لا يخفاك أن الشيطان له تركيز وعمل متخصص في التحريش بين المسلمين عامة وبين الزوجين على وجه الخصوص، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب؛ ولكن في التحريش بينهم»، وأخبرنا أن الشيطان (يفرك بين الزوج وزوجه)، أي يبغض كل منهما للآخر.

فإذا فهمنا ذلك، وعلمنا أن صاحب الحق حين يذهب إلى من ظلمه ويسلم عليه أن له بذلك رفعة، وأنه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن خير الاثنين: «... وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، وأن مثل هذا المنهج من التجاوز والعفو سبب من أسباب دخول الجنة؛ أوجدنا الحافز النفسي القوي لمغالبة الشيطان وإرغام أنفه، نقول هذا ونحن نتذكر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كان رجلٌ يُداينُ النَّاسَ، فكان يقولُ لِفَتاه: إذا أتَيْتَ مُعْسِرًا فتجاوَزْ عنه، لعلَّ اللهَ أن يتجاوَزَ عنَّا، قال: فلقِيَ اللهَ فتجاوَزَ عنه»، فمن تجاوز عن الناس تجاوز الله عنه، ومن عفا عن الناس عفا الله عنه. فكيف إذا كان المتجاوز عنه هو الزوج؟!

وعليه فإننا ندعوك وإن كنت صاحبة الحق أن تذهبي إليه وأن تجعليها لله، وأن ترغمي أنف الشيطان، وأن تقطعي الطريق عليه، تفعلين ذلك لله وأن متذكرة وطامحة أن تكوني بأمر الله من الذين قال فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود، الولود، العؤود على زوجها، التي إذا آذت أو أوذيت، جاءت حتى تأخذ بيد زوجها، ثم تقول والله لا أذوق غمضاً حتى ترضى). ورواه الطبراني وحسنه الألباني.

ومعنى آذت أو أوذيت: آذت زوجها، أو آذاها زوجها، يعني سواء كانت ظالمة أو مظلومة فإنها تسعى لاسترضاء زوجها، فقد جاء في المعجم الأوسط للطبراني: "... أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ الْوَلُودَ، الْوَدُودُ الَّتِي إِذَا ظَلَمَتْ هِيَ أَوْ ظُلِمَتْ قَالَتْ: هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ، لَا أَذُوقُ غَمْضًا حَتَّى تَرْضَى".

رابعاً: أخطاء زوجك والحمد لله محصورة -أختنا الكريمة- في العصبية وعدم تفهم الحوار، وهذا له علاجه بل ويمكن التعامل معه بصورة أفضل إذا قرأنا عن فن إدراة الخلاف بين الزوجين، وفن التعامل مع الزوج العصبي، وكلاهما موجود عندنا في الموقع نرجو أن تطلعي عليه.

وأخيراً: نسأل الله أن يبارك فيكم وأن يحفظكم وأن يرضى عنكم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً