الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صدمت في صديقتي المقربة ووقعت في حزن دائم، فكيف أخرج منه؟

السؤال

السلام عليكم.

أشكو من الهم وضيق الصدر المستمر، مع العلم أنه مستمر منذ كنت في عمر الثانية عشرة، كانت مجرد ابتلاءات ألجأ إلى الله فأجد لها حلاً، وتمر مرور الكرام، ولكن مع زيادة الفتن حولي أصبح الحزن رفيقي.

لدي صديقةٌ، دامت صداقتنا ٧ أعوام، كنت أجد فيها الروح الطيبة النقية، والحياء، وكانت لي خير صديقة، حتى اعتبرتها أختي في الله -فأنا الوحيدة لأمي وأبي-، تغير كل شيء، فأصبحت صديقتي أبغض الناس إلى قلبي، حتى إنني أعجز عن الدعاء لها بالهداية؛ فهي لا تصلي، وتريد خلع الحجاب، ولها علاقة محرمة مع شاب من نفس عمرنا، وقد رأيت منها الإهمال لعلاقتنا.

هي نَشَأتْ في أسرة جافة، ولا تجد من الاهتمام ما يكفيها من أهلها ليسد حوائجها العاطفية، فتأخذ كل هذا مبرراً لعلاقتها المحرمة، يشهد الله أنني نصحتها باللين مراراً أن تترك علاقتها به، فيعوضها الله خيراً، كنت دائمة الاستماع لشكواها من أهلها، وكنت أهوّن عليها، وأذكرها بكرم الله ولطفه، فكانت تخبرني أنها تشعر بالارتياح بعد حديثنا، ولكن لم يعد يكفيها توددي ومواساتي!

أخبرتها عن شعوري بخيبة الأمل منها لإهمالها لعلاقتنا، فاتهمتني بالمبالغة، وسبتني، وكذبت عليّ قائلة إنها مسحت رقمه، وأن الموضوع انتهى، وأنني فقط أبالغ، خفت أن أكون قد ظلمتها، إلى أن تأكدت أنها كانت تكذب، وأن علاقتهما ما زالت مستمرة، وقد تطورت إلى أنه ينشر مقاطع فيديو يتغزل فيها، وأنها تفعل بالمثل، هي تظن أنني ما زلت أصدقها.

سؤالي: كيف أتخلص من الحزن والغم الدائم؟ علماً بأنني أزور طبيبةً نفسيةً منذ سنتين.

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جودي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك –ابنتنا الفاضلة– في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يهدي صديقتك لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

لا يخفى على أمثالك أن أقصر الطرق لرفع الهموم والغموم هي اللجوء إلى الله -تبارك وتعالى- والاضطرار إليه، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]، والحرص على دعوة نبي الله يونس -عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه-: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ.

فالأمر كما قال قائل السلف: (عَجِبْتُ لِمَنْ يُبْتَلَى بِالْهَمِّ كَيْفَ يَغْفَلُ عن قَول: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، فَإنَّ اللَّهَ تَعَالَى ‌يَقُولُ بعدها: {‌فَاسْتَجَبْنَا ‌لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] ).

والجزء الأخير من قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} يدلُّ على أن الأمر ليس خاصًّا بنبي الله يونس -عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه- لكنه منحة ربّانية لكل مَن لجأ إلى الله، وحرص على هذا الذكر المبارك الوارد في كتاب ربنا -تبارك وتعالى-، والغم حزن لا يجد الإنسان له سبباً، أو لا يعرف له سبباً، ثم تتفرّع عن الغم كل الأمراض من اكتئاب وقلق، وغيرها من الاضطرابات.

ثانيًا: ندعوك إلى الاستمرار في النصح لهذه الأخت، وألا تتركيها؛ فإن بُعدك عنها سيزيد الأمر سوءًا، ونتمنى أيضًا أن تبحثي عن صديقات صالحات يكنَّ عونًا ومعينات لك، فإن من الخطأ أن ترتبط الفتاة بصديقة واحدة مع كثرة الفاضلات، فإذا كانت الصداقة لأجل الخير فالخير موجود في كثير من بناتنا -ولله الحمد-، وبالتالي نحن دائمًا ننصح أن يكون للفتاة عدد من الصديقات وليس صديقة واحدة.

كذلك أيضًا ينبغي أن تعلم ابنتنا – نسأل الله أن يهديها – وكل فتاة أن إهمال الأهل المزعوم ليس عُذرًا – كما أشرت – في الانحراف والانجراف، وأن هؤلاء الذئاب البشرية لا يُريدون الخير لبناتنا، فعليها أن تُدرك أن مصلحتها، وأن شرع الله يأمرها أن تبتعد عن هذا الطريق، والخروج من هذا النفق المظلم.

كذلك أيضًا، من الأمور المهمة التي نحب أن ننبّه لها: ضرورة أن تستمري في الأذكار، والدعاء، والتوجُّه إلى الله، وشغل النفس بالمفيد، والحرص على المواظبة على أذكار الصباح والمساء؛ فإنها تنفع فيما نزل وفيما لم ينزل، كما أشار لذلك الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه-.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلك سببًا لهداية هذه الأخت، وأن يجعلنا جميعًا سببًا لمن اهتدى، وأن ييسّر الهدى إلينا جميعًا.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً