الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سوف أموت إن لم أنم بشكل كاف، كيف أتعامل مع هذا الوسواس؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أحب هذا الموقع جدًّا، وقد استفدت منه كثيرًا، وأشكر كل القائمين عليه.

أنا شاب أعاني من وساوس كثيرة، وكان عندي وسواس في العقيدة، لكن -الحمد لله بفضل الله ثم بفضل هذا الموقع- استطعت تجاوزه.

تشعّب الوسواس عندي إلى وسواس آخر، وهو وسواس النوم، وبيان ذلك:

أولًا: دائمًا تراودني فكرة أنني يجب أن أنام 8 ساعات وأكون مستيقظاً 16 ساعة، وإذا نمت أقل من ذلك أشعر وكأنّي سأموت.

هذه الفكرة ناتجة عن الدراسات التي تخوف الناس من قلة النوم، والمشكلة أنه عندما أنام أقل من 7 أو 8 ساعات، أشعر بتوتر شديد طوال اليوم، وإذا استمررت مستيقظًا أكثر من 16 ساعة، تعاودني نفس الوساوس بالتوتر، وقد تظهر بعض الأعراض بسبب قلة النوم.

الشيء المهم في هذا الوسواس هو فكرة أنني قد لا أنام أبدًا، فعندما أكون مستيقظًا منذ 16 ساعة، أحاول النوم بسرعة، لكن لا أستطيع الدخول في النوم بسهولة، فأخاف جدًّا، وتراودني فكرة أنني سأظل مستيقظًا، على عكس كل الناس الذين ينامون طبيعيًا، فيزداد توتري، وتزداد صعوبة النوم، فأدخل في حلقة مفرغة.

على سبيل المثال، نمت اليوم 3 ساعات فقط بسبب التوتر والقلق، ولا أعلم كيف أتعامل مع هذا الوسواس الذي أصبح يؤثر على حياتي بالكامل!

ثانيًا: أنا طالب في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وأرغب في تعلم الفقه والشريعة لأصبح داعية، فما هي البداية المناسبة؟ ومتى أستطيع أن أعتبر نفسي داعية بالفعل ويحق لي الفتوى؟

أعتذر على الإطالة، وشكرًا مقدمًا لحضراتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.

أولًا: كن على علم -أخي الحبيب- أنّه ما من مشكلة إلَّا ولها حل، فلا تيأس، وفي الحديث يقول النبي ﷺ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» (رواه البخاري)، وقال: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ» (رواه مسلم).

ثانيًا: قد قرأت رسالتك، وسأحاول إعطاءك بعض الحلول، ولكن الحل يبدأ منك في همة عالية في دفع وساوس الشيطان.

وإليك الإجابة على النحو التالي:

أولًا: جزاك الله خيرًا على ثقتك في موقع إسلام ويب، ونحن نبادلك هذا الشعور، وأحسنت صُنعًا أنّك تأخذ الاستشارة على محمل الجد وتستفيد منها، بدليل أنّك ذكرت في رسالتك أنّك قد تعافيت من وسوسة العقيدة بأخذك الاستشارة من إخوانك في إسلام ويب -بعد فضل الله تعالى-.

ثانيًا: كما تجاوزت وسوسة العقيدة فلتكن همتك عالية في تخطي هذه الوسوسة، فهي -بحمد الله- أقل خطرًا من وسوسة العقيدة. وقد تجاوزت تلك بسبب همتك العالية، فلم يبق لك إلَّا هذه الوسوسة، التي هي دونها بمراتب، فاجتهد في مدافعتها مستعيناً بالله، وسترى الخير -إن شاء الله تعالى-.

ثالثًا: أدركت معاناتك في الوسوسة، ولتعلم أنّ هذه الوساوس أصلا عبارة عن أفكار وخواطر وتهيئات تتكرر على ذهن الإنسان فيظنها حقائق، وإنما هي توهمات تحتاج إلى همة عالية في مدافعتها، ولعدم مدافعتك لهذه الوساوس تعمقتْ فيك وصارتْ متأصَِّلة، لكن بالعزيمة الأكيدة ستنقشع وتذهب إلى غير رجعة -إن شاء الله-.

رابعًا: استعن بالله جل وعلا على مدافعة هذه الوساوس بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأوصيك بالمحافظة على الصلاة والوضوء؛ فإنها تهدئ هذه الأفكار، وكذلك المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم على وجه الخصوص لتعلق هذه الوسوسة بالنوم.

خامسًا: ما ذكرته في رسالتك أنّك تنام ثماني ساعات وتصحو ست عشرة ساعة، وأنك تفكر إذا نمت أقل من ذلك أنّك ستموت؛ فهذا كلام غير صحيح، وبالطبع لا شك أنّ النوم يلعب دورًا رئيسيًا في صحة الإنسان، وهو لا يقل أهمية عن الأكل والشرب والتنفس، لكن ما ذكرته ليس بصحيح.

فالمعدل المناسب بالتمام والكمال هي سبع ساعات، وهذا كما جاء في دراسة علماء جامعة كامبريدج في بريطانيا، على أن ذلك يتفاوت بحسب العمر، ففي مثل عمرك معدل النوم من 7–8 ساعات هي الأصح من جهة صحة الإنسان، ولا أحد يقول إن الإنسان إذا نام أقل من ذلك سيموت، فلو نظرنا إلى علمائنا السلف فإنهم كانوا ينامون قليلًا جدًّا، ولم يُصب أحد منهم بما ذكرت أنت في استشارتك.

سادسًا: سؤالك المتعلق بالدراسة في كلية الإعلام، فأقول مجيبًا لك – وفقك الله لكل خير –: إن كونك طالب علم في كلية الإعلام شيء جيد لتخدم الإسلام من خلال هذا التخصص، ولكن إن أحببت الانتقال إلى كلية الشريعة فهذا أفضل، وإذا بقيت في الإعلام مع التقيد بالدين لتكون داعيًا إلى الله فهذا شيء طيب، فلا يلزم أن تترك كلية الإعلام في هذه الحالة.

أمَّا مسألة الفتوى فهي أخص من ذلك، لكونها أعمق وأوسع ومسؤوليتها كبيرة، وفرق بين الداعية والمفتي، ولك أن تطلع على شروط الإفتاء والمفتي، لكني أرى والله أعلم أن تستمر في كلية الإعلام لتكون إعلاميًا إسلاميًا، وبالإمكان أن تتعلم الشريعة اجتهادًا ذاتيًا لتكون داعيًا إلى الله تعالى.

وفي الأخير: أسأل الله تعالى أن يمنّ عليك بالعافية، وأن يبعد عنك هذه الوسوسة، وأسأل الله تعالى أن يسعدك في دراستك وحياتك، اللهم آمين.
___________________________________________________
أجاب على الاستشارة الشيخ/ خالد عبد الله الصبري، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
ويليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
___________________________________________________

جزاك الله خيرًا على ثقتك في إسلام ويب.

أخي الكريم: اطلعت على رسالتك بكل دقة، وسأجيب عليها مواصلةً لما ذكره لك الشيخ خالد عبد الله الصبري من إرشاد جميل وطيب، أرجو أن تأخذ به.

الوساوس بالفعل قد تتلون وتتشكّل، بمعنى أنّ بعض أنواع الوساوس تختفي وتظهر أخرى.

وساوس النوم التي تعاني منها قائمة على القلق التوقّعي، وهذا القلق يظهر بصورة جلية؛ حيث إنك حين تأوي إلى فراشك بقصد النوم تتخوف ألَّا تنام، أو ألَّا تنام طوال الثماني ساعات، ويظهر لديك القلق، فهذه الوسوسة قائمة على فكرة افتراضية، فكرة توقعية، وهي أضعف وأهون أنواع الوساوس، والتخلص منه ليس بالصعب أبدًا.

بالطبع، يقوم علاج الوساوس من الجانب السلوكي على ثلاثة مبادئ أساسية:

المبدأ الأول: أن يحقر الإنسان الفكرة، وأن يتجاهلها، وأن يبتعد تمامًا عن تفاصيلها، أو حوارها، أو تحليلها، إنما تغلق عليها من خلال التحقير، وتأخذها كمنظومة واحدة، ولا تدخل في تفاصيلها أبدًا.

ومن أجمل الأمور أن يخاطب الإنسان الفكرة مباشرة قائلاً: "أنتِ فكرة وسواسية حقيرة، أنا لن أهتم بك أبدًا، أنا –الحمد لله– أنام على أفضل ما يكون، وأستمتع بنومي على أفضل ما يكون، وأستيقظ على أفضل ما يكون"، وهكذا.

المبدأ الثاني: صرف الانتباه، حين تنشغل بموضوع النوم وساعته، قل لنفسك: "لن أفكر بهذا الأمر أبدًا، لماذا لا أفكر في مستقبلي؟ لماذا لا أفكر في دراستي؟ لماذا لا أفكر في يوم تخرجي، أو يوم زواجي؟" وهكذا تأتي بأفكار طيبة وواقعية ومستقبلية تصرف الانتباه عن الوسوسة.

المبدأ الثالث: التنفير، والتنفير يعني أن تربط الفكرة الوسواسية بشيء لا تحبه النفس، بل تبغضه النفس، على سبيل المثال: أن تضرب يدك على سطح الطاولة بشدة وقوة حتى تشعر بالألم، وتربط هذا الألم بالفكرة الوسواسية حول النوم.

كرّر هذا التمرين 20 مرة "الإتيان بالفكرة الوسواسية وربطها مباشرة بإيقاع الألم" ويمكن تطبيقه بصورة أخرى، مثل أن تأتي بالفكرة الوسواسية وتتصور طائرة تحترق أمامك في السماء، وهكذا.

إذًا هذه ثلاثة تمارين جيدة وممتازة جدًّا ومفيدة.

والأمر الآخر هو: أن تربط نفسك بالواقع، وذلك من خلال ما هو موجود فعليًا في الحياة، فهناك أناس لا ينامون أكثر من ثلاث إلى أربع ساعات، وكثيرون جدًّا نعرفهم. وكما ذكر لك الشيخ، كان علماء السلف معظمهم لا ينامون لساعات طويلة.

وما يُقال عن النوم الصحي بأنه ثماني ساعات ليس منضبطًا، ولا صحيحًا، ولا دقيقًا، في الأبحاث السابقة، كانوا ينظرون إليه كأمر تقديري، لكن الآن العلماء يؤكدون أنّ النوم ليس في كميته، إنما في كفاءته وكيفيته، بمعنى:
• هل عند استيقاظك تشعر بالنشاط والحيوية وبطاقات جيدة؟
• هل كان نومك فعّالًا ومريحًا أم مجرد نوم بلا تأثير؟
• هل كانت هذه الساعات نومًا ليليًا أم نهاريًا؟ لأن النوم الليلي هو الأهم لصحة الجسم والعقل.

وهكذا - أيها الفاضل الكريم - فموضوع عدد الساعات ليس بالأمر الدقيق، وأنا على النطاق الشخصي أعتقد أنّ ثماني ساعات هي الحد الأقصى من النوم الذي لا يجب أن يزيد عليه الإنسان، فأرجو أن تتفهم الموضوع على هذا الأساس، وأريدك أن تركز على أذكار النوم، فهي مهمة جدًّا؛ لأنها سوف تخلصك من القلق التوقّعي الذي تعاني منه.

كما أن تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس التدريجي، خاصة قبل النوم، فيها فائدة كبيرة جدًّا، وتمارين شد العضلات واسترخائها، ويمكنك الاطلاع على هذه التمارين عبر اليوتيوب، لتتعلم منها تمارين التنفس التدريجي والاسترخائي، وكذلك تمارين شد العضلات وقبضها وإرخائها.

أمَّا بالنسبة للعلاج الدوائي، فهناك دواء يعالج هذا النوع من الوساوس، اسمه التجاري (فافرين، Faverin)، والاسم العلمي (فلوفوكسامين، Fluvoxamine) يبدأ بجرعة 50 ملغ ليلاً لمدة أسبوعين، ثم 100 ملغ ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم يُخفّض إلى 50 ملغ ليلاً لمدة شهر، ثم 50 ملغ يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم يتم التوقف عن تناوله.

هذه جرعة صغيرة جدًّا من هذا الدواء، وهو دواء سليم، وفاعل، وغير إدماني أبدًا، ويُفيد كثيرًا في الوساوس، خاصةً الوساوس ذات الطابع الفكري.

بارك الله فيك، جزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً