الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي قام بضربي وشتمي ويريدني أن أعتذر إليه، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

كان هناك إعلان تقديم للوظائف عندي، فقلت لزوجي بأنه يمكنه أن يقدم على العمل في ذلك المكان، فقال: هل تظنين أني أنتظر هذا المكان الذي تعملين فيه لأعمل فيه؟ ثم قام بفتح موضوع آخر، وبدأ بالصراخ علي، وقال: اذهبي لأمك، فقمت بجمع أغراضي، فدخل عليّ، وبدأ بضربي، حتى أصبح لون جسمي وتحت عيني أزرق اللون، وقفل الباب، وهددني، وطلب مني أن أعيد كلامه حتى يعفو عني، فقمت بإعادة كلامه حتى لا يضربني، والتزمت الصمت للصبح، ثم أخذت ملابسي، وذهبت.

الآن مضى على وجودي في بيت أمي 3 أشهر، وهو لا يريد أن يأخذني، أو يكلم أهلي، ويريدني أن أرجع بنفسي، وأن أعتذر له، وأصبح يشتمني، ويشتم أهلي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكِ لما يحب ويرضى، وأن يلهمكِ الصبر، ويجعل ما أصابك رفعة في درجتك، ويعوّضكِ خيرًا في الدنيا والآخرة.

أختي الكريمة: من الخطأ أن يظن الزوج أو الزوجة أن السيطرة، أو رفع الصوت، أو الضرب وسيلة لحل المشكلات؛ فالعلاقة الزوجية السليمة تقوم على الحوار، وضبط النفس، والتفاهم، لا على الإكراه أو الإهانة.

وما حدث معكِ أمر مؤلم ومؤسف، ولا يجوز شرعًا، ولا خُلقًا، أن يُقابَل الخلاف أو النقاش بين الزوجين بالعنف أو الإذلال؛ فالزواج في الإسلام قائم على المودة والرحمة، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.

إن كان الوصف كما ذكرت، فما فعله زوجكِ من ضربٍ، أو إيذاءٍ، وتهديدٍ فهو حرام شرعًا، وعدوان لا يقرّه الدين ولا الأخلاق الكريمة، قال الله تعالى: ﴿ولَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَضْرِبْ أحدُكم امرأتَه ضربَ العبد، ثم يُجامعُها في آخرِ اليوم)، وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضًا: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

من المؤسف أن تتحول العلاقة التي شرعها الله للسكن والمودة إلى ساحة للعنف والهيمنة، وحتى إن أخطأت الزوجة، فالإسلام وضع منهجًا متدرجًا في التعامل مع الخلاف، قال تعالى: ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾.

وقد بيّن العلماء أن المقصود بالضرب هنا ضرب رمزي غير مؤلم، ولا مُهين، وإنما يُقصد به التنبيه لا الإيذاء، كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن عطاء في قول الله تعالى: {واضربوهن} قال: "بالسواك ونحوه". ورواه ابن جرير عنه قال: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه. أي أنه أقرب إلى التوبيخ المعنوي لا إلى الاعتداء الجسدي، أما الضرب المبرّح، أو الذي يترك أثرًا جسديًا أو نفسيًا، أو يُشعر بالإهانة، فهو حرام ومجرَّم شرعًا.

أختي الكريمة: ما فعله زوجكِ يكشف ضعفًا في ضبط الغضب، وسوءًا في إدارة الخلاف، وهو بحاجة إلى من يذكّره بالله، ويساعده على تدريب نفسه على التروي وكظم الغيظ. فالرجل القوي هو من يملك نفسه عند الغضب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).

وللتعامل مع حالتكِ، ننصحكِ بما يلي:

أولاً: تجنّبي أثناء غضبه كل ما يثير انفعاله، أو يزيد الموقف توترًا، وابتعدي عن الردّ عليه في لحظة الانفعال.
ثانيًا: احرصي على التودد والثناء حين تهدأ الأمور، وأشعريه بمكانته في البيت، وأهميته في الأسرة.
ثالثًا: إن وُجد أمل حقيقي للإصلاح، وضمان للأمان النفسي، فالإصلاح خير، أما إذا تكرّر الأذى، فسلامتك أولى.
رابعًا: اطلبي تدخل العقلاء والمصلحين ممن لهم مكانة عند زوجكِ، لعلهم يؤثرون عليه، ويعينونه على تغيير سلوكه.
خامسًا: إن تجاوز الحدود، واستمر في الإيذاء النفسي أو الجسدي، فلكِ الحق في اللجوء إلى القضاء لحماية نفسك؛ فالصبر على الظلم لا يُشرع، والغضب قد يعمي صاحبه ويقوده إلى ما لا يُحمد عقباه.

وأخيرًا: من حقكِ أن تحمي نفسك، ولا يلزمكِ الرجوع إلى زوجكِ ما دام لم يتُب توبةً صادقةً، ولم يُبدِ التزامًا بعدم تكرار فعله؛ فالعفو لا يعني التنازل، والصفح لا يعني السكوت عن الظلم.

أما إن تاب، وطلب الإصلاح بصدق، فلكِ أن تدرسي الأمر بعقل ورويّة، وبمشاورة أهلكِ، حفاظًا على بيتكِ وأبنائكِ –إن وُجدوا– متى كانت نية الإصلاح صادقةً.

أما إذا أصرّ على الإهانة والتهديد، فليس في الشرع ما يُلزمكِ بالبقاء تحت ظلمٍ أو أذى، قال تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾، فالبقاء في ظلّ الضرب، والإهانات، والضغوط النفسية ليس تضحيةً، بل معاناة لا مبرر لها.

قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله"، وقال أيضًا -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أحرّج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة".

نسأل الله أن ييسر أمركِ، ويرفع عنكِ ما أنتِ فيه، ويعوضكِ خيرًا في دينكِ ودنياكِ.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً