الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي شديد الإهمال لي مع أنه يكثر الاهتمام بأهله، فكيف أتصرف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوجة ولي ثلاثة أبناء، وقد أصبحت أكره زوجي، وخاصة بسبب معاناتي معه؛ إذ إنه دائمًا يأخذني إلى أهله، وأصبح الأمر يضايقني كثيرًا، حتى إنه يخبرني بكل تفاصيل حياتهم.

لقد اشتقت إلى الحديث عن حياتنا نحن وأطفالنا، لكن كل كلامه يدور حول ما فعلته أمه، ومن جاء لزيارتها، وماذا فعل والده، وأين ذهبوا، وماذا اشتروا، وماذا صنعوا في منزلهم، وأين ذهب إخوته، حتى إن يومه كله يقضيه عندهم، وإذا دخل المنزل يحمل هاتفه ولا يتحدث معي، وإنما يواصل الحديث عن أهله وما فعلوه.

لقد أصبحت أكره الحديث عنهم، وعندما أخبرته ألَّا يكلمني عنهم؛ لأنني أتأذى وأتحسس وأشعر بالغيرة، صار يذهب إليهم أكثر من قبل، ويقضي يومه عندهم، ثم يكلمهم عندما يدخل المنزل وكأنه لم يرهم منذ مدة.

أصبحت أتجاهله، وإذا كان أمامهم خرجت من المكان الذي هو فيه، وعندما واجهته بالأمر، صار يفعل أكثر ممّا كان يفعل سابقًا، علمًا أنهم يسكنون بالقرب مني، بينما أهلي في مدينة أخرى، وليس لي أقارب في مدينة زوجي، فأنا وحيدة، وكل إخوتي وأبي وأمي في مدينة أخرى.

أرجوكم، كيف أتصرف؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سهام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يصلح شأنك، ويصلح زوجك، ويبصّره بعيوبه، ويرزقك الحياة الطيبة الهادئة المطمئنة، وشكر الله لك ثقتك بهذا الموقع الذي هو مفتاح لسعادة من شاء من عباد الله تعالى، وسوف أرد على استشارتك إجابة وافية كافية شافية -بإذن الله تعالى- وأقول مستعينًا بالله تعالى:

تشخيص المشكلة من جذورها:
- ما تعانينه ليس مجرد (غيرة) من أهله، بل شعور عميق بالوحدة والتهميش؛ فأنتِ في مدينة بعيدة عن أهلك، وليس لديك أهل أو صديقات تتواصلين معهن، وذلك ما جعلك تشعرين بعدم وجود سند ومؤنس.

- زوجك يقضي معظم يومه بين أهله، وحين يرجع بدلًا من أن يتلمس همومك، ويُسري عنك، ويتبادل معك أطراف الحديث فيما يخص حياتكما وأسرتكما، يتحدث في تفاصيل حياة أهله ويكثر من ذلك؛ لدرجة أنه يسبب لك الأذى.

- ذكرتِ في استشارتك أنك حينما صارحته وعبّرتِ عن ضيقك، ازداد تمسكًا بسلوكه كنوع من العناد أو الهروب، وهذا يوضح أن مشكلتك معه عاطفية بامتياز وليست غيرة؛ فأنتِ كأي زوجة تريد من زوجها أن يهتم بها وبمشاعرها، ويُشبِع عاطفتها، ويستمع لهمومها، ويعيش معها، لا أن يكون وسيلة إعلام لنقل أخبار عائلته.

إذًا مشكلتك عاطفية وليست غيرة، وجوهرها أنكِ تبحثين عن زوج يهتم بكِ، يسمعك، يعيش معك حياتكما الخاصة، لا مجرد وسيط أخبار لعائلته.

نظرة شرعية لحالتك:
• يقول الله -سبحانه وتعالى- مخاطبًا الأزواج: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، فالزوج وبموجب هذه الآية الشريفة مأمور بالعدل في التعامل مع أهله ومع زوجته، فلا يميل لأي طرف ويهمل الآخر، وهكذا حسن العشرة مع الطرفين، والمعروف المذكور في الآية يشمل المعروف في أن يصل أهله دون مبالغة، وأن يعطي زوجته حقها من الحديث العاطفي كي يؤنس نفسها، وألا يجعلها تشعر بأنها في هامش حياة زوجها.

• برّ الزوج بوالديه لا يكون على حساب زوجته ومنعها حقوقها، وليس من المعاشرة بالمعروف أن يتجاهل الزوج زوجته ويغفل احتياجاتها النفسية والعاطفية، ولا أن يقلب الزوج بيته وكالة أخبار ينقل فيها أخبار أهله لزوجته.

• إن حصلت لك غيرة بسبب هذا فليست مذمومة؛ لأنها ليست غيرة من "أشخاص"، بل غيرة على حقك الشرعي من وقتٍ واهتمامٍ وعِشرة طيبة.

السبب الذي جعل زوجك يتمسك بأهله بهذا الشكل، لعل ثمة أسبابًا جعلت زوجك متعلّقًا بأهله بهذا الشكل، سأجملها فيما يأتي:

1ـ قد تكون شخصيته مرتبطة بأهله جدًا منذ الصغر، وهنا عليك أن تُبيّني له أنه صار مرتبطًا بأسرة، وأن أسرته تحتاج إلى إرشاداته، وأبناؤه يحتاجون لتربيته وتوجيهاته.
2 ـ ربما يشعر بالراحة النفسية عندهم أكثر من البيت؛ لأنهم يملؤون فراغه العاطفي أو يدعمونه، وفي هذه الحال ينبغي عليك أن تهتمي بإشباع عاطفته وأن تقومي بدعمه.
3 ـ ربما فهم شكواك بأنها محاولة لمنعه من أهله فزاد تمسكًا بهم، فعليك أن تخبريه بأنك لا تمنعينه من زيارة أهله وبرّهم، ولكنك تبحثين عن حقك وحق أبنائك.
4 ـ هناك اعتقاد عند بعض الأزواج أن زوجته (لا تحتاجه) كما يحتاجه أهله، وهنا يأتي بيانك أنك محتاجة له، وأن تجاهل وجود الزوجة أو تهميشها يؤذي نفسها، ويتسبب في نشوء مشاكل أسرية قد تؤدي إلى هدم البيت.
5 ـ ربما ليس عنده معرفة بالطرق التي يُوازن بها في التعامل بين أهله وزوجته، فعليك أن ترشديه للطريق الأمثل في كيفية التعامل مع الطرفين، بأن يعطي كل ذي حق حقه.

كيف تعالجين المشكلة عمليًّا:
• توقفي عن الشكوى المباشرة بصيغتها القديمة؛ لأن أسلوب: (لا تتكلم عن أهلك، أنت تزعجني) يجعله يشعر بالاتهام، ويخاف أن تظني أنه لا يحبك، فيتمادى في الذهاب إليهم دفاعًا عن نفسه، وبدلًا من ذلك استخدمي أسلوبًا هادئًا مثل: "أحب أن يكون لنا وقت خاص نتكلم فيه أنا وأنت وحدنا، هذا يقربني منك".

• اطلبي منه أن يُخصّص لك وقتًا كل يوم لا يقل عن نصف ساعة عصرًا أو ليلًا بحسب راحته؛ بحيث يكون المجلس بعيدًا عن استعمال الهواتف وأخبار أهله، ويكون الحديث مخصصًا للكلام العاطفي بينكما، وفيما يخص تربية الأبناء وأموركما الخاصة الأخرى.

• لا تشعريه بأنك لا تطيقين أهله ولا سماع أخبارهم، وليكن سؤالك عنهم بين الحين والآخر بالطريقة التي لا تسبب لك الإزعاج، وأعينيه على برّهم، وأظهري سرورك بأنه بارّ بوالديه وأهله، وعندما يشعر أنكِ لستِ "خصمًا لأهله"، سيتوازن تلقائيًا -بإذن الله تعالى- ولعل أبناءه يقتدون به، فالجزاء من جنس العمل.

• لا تُظهري ضيقًا ولا انزعاجًا واضحًا عندما يتحدث عنهم، وأظهري فقط أنكِ تفضلين الحديث المتوازن، وحاولي أن تغيّري مجرى الحديث بطريقة هادئة إلى سؤالك عن عمله ومعاناته، واطرحي له سؤالًا عن الأبناء وكيفية التعامل معهم، وطريقة تربيتهم ودراستهم وغير ذلك.

• ابنِي حياتك الخاصة؛ فمشكلتك ليست في أهله فقط، بل كونك وحيدة في المدينة التي تعيشين فيها، فاعملي على بناء صداقة مع جارة طيبة تؤنس وحدتك، وانضمي إلى حلقة تحفيظ القرآن الكريم فستجدين فيها صديقات صالحات، وانتقي من يتناسب معك، وشاركي في بعض الأعمال والأنشطة الخيرية، فذلك مما يجلب السرور للقلب والهدوء للنفس، فعندما تبنين حياتك الخاصة لن تشعري بالوحدة، ولا بأن حياتك مرتبطة بوجود زوجك أو غيابه.

• اعتني ببيتك من حيث حسن ترتيب أثاثه ونظافته ورائحته، واجعلي جو البيت مريحًا يجذب زوجك للبقاء فيه، وغيّري أسلوبك معه، فأحسني استقباله وتوديعه، استقبليه بابتسامة وودّعيه بمثلها، وهيّئي له أجواء الراحة في البيت، وتفنّني في إعداد طعامه، فهذه الأمور ستجعله ينجذب للبيت وللبقاء معك، وسيمكنك من أسر قلبه وحبه.

• إن كان عناده ردّ فعل لشكواك، فغيّري طريقتك؛ فبدلًا من تجنبه والخروج من الغرفة استخدمي الهدوء، وقولي له: "أنا لا أريد أن أمنعك من أهلك، لكن أريد جزءًا من قلبك ووقتك"، فهذه العبارة قد تجعله يشعر بالخجل ويراجع حساباته.

• اجلسي معه جلسة مصارحة لطيفة لا هجوم فيها ولا غضب أو انفعال، وقولي له: "أنا أحبك، وأحتاج اهتمامك، وجودي بعيدًا عن أهلي يجعلني أحتاجك أكثر، وعندما تتحدث طوال الوقت عن أهلك أحس أني غريبة في حياتك، ساعدني لأكون أقرب إليك"، وتجنبي رفع الصوت والاتهام وذكر كلمة: "أنت تكرهني" أو "أهلك سبب مشاكلي" أو "أنت غير عادل".

إن لم يستجب ويعتدل، فأدخلي طرفًا حكيمًا لا يكون من أهله فينحاز له، وإنما شخصًا مقبولًا لديكما كإمام الجامع أو مستشار أسري أو داعية.

هنالك أمور يجب أن تجتنبيها:
• لا تقارنيه بأهله، ولا تهينيهم أمامه، ولا تمنعيه من زيارتهم؛ لأنه سيفعل عكس ذلك وقد حصل، ولا تهددي بالرحيل في كل نقاش، ولا تجعلي كل يوم نقاشًا حول نفس الموضوع.

أخيرًا، رسالة مهمة لك شخصيًا:
• أنتِ لستِ "غيورة ولا حساسة"، بل أنتِ امرأة بعيدة عن أهلها، تحتاج زوجها ليملأ فراغها العاطفي، وهذا أمر طبيعي وفطري، والشرع يعترف به ويطالب الزوج بمراعاته.
• الأمر يحتاج منك ذكاءً وهدوءًا وتغييرًا في أسلوبك معه، وبناء علاقة جديدة قائمة على التقارب لا المواجهة، وبإذن الله ستتغير الأمور تدريجيًا.
• نوصيك بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، مع الإكثار من نوافل الصلاة والصوم والدعاء أثناء السجود وفي الثلث الأخير من الليل؛ فهذه الطاعات ستجلب لك الحياة الطيبة المطمئنة -بإذن الله تعالى- كما قال سبحانه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
• حافظي على أذكار اليوم والليلة في أوقاتها؛ ففيها حصن حصين وطمأنينة للقلب بإذن الله تعالى.

نسأل الله تعالى أن يصلح زوجك، وأن يسعدك، ونسعد بتواصلك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً