الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية غض البصر في البلاد التي يقل فيها الحجاب الشرعي

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شيوخنا الأفاضل! والله أنا قلبي مريض وأكتب لكم استشارتي وفي قلبي حرقة!

شيوخي! أنا عقدت على أخت في الله، والله هي جوهرة هي كنز نادر وجوده هي نور عيني، وبرغم ظلمي لها إلا أنها صبرت بل وتسعى لإرضائي بأي شكل، ومؤخراً انتقبت لإرضائي برغم الظروف القاسية في تونس.

شيوخي! أنا قلت لكم هذا حتى أبين لكم حقارة نفسي لأني رغم أن الله منَّ علي بالزوجة الصالحة (ما زال الزفاف) وأنا الآن أزاول دراستي، قلبي احترق من المعاصي.

شيوخي! والله أحاول غض بصري أكثر ما أقدر، ولكن ما الحيلة؟ وعلي أن أنظر أمامي حتى أرى طريق المعاصي تدور حولي من كل مكان فهنا غناء وهناك كفر بالله، وأنا لا أنكر وهنالك تبرج والأساتذة الإناث اللاتي يدرسنني كلهن متبرجات وأنا لا أنظر إليهن، ولكن أحياناً تكلمني أستاذة فأنظر إليها أو إذا أردت الاستفسار عن شيء لم أفهمه كذلك.

شيوخي! هذه من ضمن معاصي ومعها الغفلة عن ذكر الله ومعها اللغو.

المهم قلبي امتلأ بالمعاصي وربما هذه المعاصي أدت بي إلى الشيء الذي سأستشيركم فيه.

شيوخي! أنا والله لا أتأثر في المتبرجات بل أراهن خنازير تمشي على الأرض وأشمئز منهن، ولكن أحياناً أرى أختاً في الله تلبس لباساً شرعياً فأدعو لها وأتمنى أن أتكلم معها لأننا والله غرباء هنا.

وكلما رأيت ملتزماً أطير إليه لأتحدث معه، ولكن أعلم أن الكلام مع الأخوات ربما يكون حراماً وأنا إلى الآن والله أكتب لكم وعيناي مغرورقة بالدموع، والله أريد أن ينزع إعجابي للأخوات من قلبي فأنا عندي زوجة والله هي أغلى عندي من نفسي وأحس أني أظلمها عندما أرى أختاً في الله ملتزمة وأعجب بها.

شيوخي! انصحوني في كل ما ترونه صالحا جزاكم الله عني خيراً.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

فبداية اتهام النفس مطلب، (وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، وذلك عندما قلت: (إن قلبي مريض، وأكتب لكم استشارتي وفي قلبي حرقة) أسأل الله عز وجل أن يكتب لك الأجر والتوبة.

فالإنسان الذي يتهم نفسه يكون قد وصل إلى أول العلاج، وكما قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[يوسف:53]، ففعلاً النفس تحتاج إلى اتهام، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم).

فقدم شكرك لله عز وجل على ذلك، كما شكرت هنا فقلت بأن الله رزقك زوجة صالحة ورزقك بجوهرة طيبة، صيانتها مطلب والحافظ عليها مطلب، فإن من أعظم نعم الله عز وجل أن يرزق الإنسان بزوجة صالحة تعينه وترشده وتدله، وإذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته في ماله وعرضه، كما قال تعالى: (( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ))[النساء:34].

فالزوجة الصالحة هي من نعم الله سبحانه وتعالى على الزوج، وهي عون على نصف الدين، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إن من السعادة: المركب الصالح، والمسكن الصالح، والزوجة الصالحة، وإن من الشقاوة: المركب السوء، والمسكن السوء، والزوجة السوء).

عليك أن تقبل على الله وتتوب إليه سبحانه، وتتضرع إليه وتذلل بين يديه في صلاتك وسجودك، وأن تصلي ركعتين بنية التوبة، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر إلا غفر الله له).

ارجع إلى ربك وأصلح علاقتك بينك وبين الله، فإن من تاب تاب الله عليه، (والتائب من الذنب كمن لا ذنب له)، فالإنسان إذا تاب إلى الله من ذنوبه القديمة ومن ذنوبه الحاضرة تاب الله عليه، يقول عليه الصلاة والسلام وهو من العلاج المهم الذي ينبغي أن تتمسك به، كما جاء في الحديث، قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) فاتق الله عز وجل في نفسك، وراقب الله سبحانه وتعالى، وارفع يديك إلى الله متضرعاً، وقل:
أنا العبد الذي كسب الذنوبا *** وصدته الأماني أن يتوبا

اعترف بين يدي الله تعالى وأكثر من الاستغفار وقل: (رب ظلمت نفسي ظلماً كثيراً وإن لم تغفر لي وترحمني لأكونن من الخاسرين).

روض نفسك أيضاً على غض البصر، ولذلك سوف تجد سعادة في حياتك وحلاوة في نفسك تجدها في قلبك، وأنصحك بقراءة كتاب (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن القيم رحمه الله، حيث تكلم في طرف كثير عن مثل قضيتك هذه، تكلم عن بعض أنواعها وعن أحوالها.

كذلك من الوصايا – أخي عبد الرحمن – أنصحك بالصحبة الطيبة الصالحة، التي تعينك على طاعة الله وتُشغل وقتك، وعليك أن تزكي نفسك، فإن الله جل وعلا يقول: (( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ))[الشمس:9-10]، فإن لم تشغل نفسك بالطاعة أشغلتك بالمعصية، فأتمنى أن تبادر بإشغال نفسك بالطاعة، إشغالها بالخير، إشغالها بعبادة الله سبحانه وتعالى التي سوف تسليك، وهذا مطلب عظيم جدّاً.

واعلم يقيناً بأن الله تعالى عصم يوسف عليه السلام من الوقوع في الزلل، لماذا؟ لأنه خاف من الله سبحانه وتعالى، وأنه من عباده المخلَصين، فوق الإخلاص زيادة في الإخلاص، خاف وعلم أن الله يراقبه.

أنت ذكرت الظروف القاسية التي تمر عليكم في تونس وغير ذلك من هذه الأشياء، أنت في أي بلد وفي أي أرض وفي أي مكان تستشعر دائماً أن مراقبة الله سبحانه وتعالى هي من أعز المطالب، الذي يرتبط بربه يكون سعيداً دائماً.

وقد ذكرت هذا الموضوع أيضاً بإسهاب في شريط بعنوان (نيران الشهوات)، ولعله موجود في صوتيات إسلام ويب، لعلك تسمع هذا الشريط الذي سوف ينفعك الله تعالى به كثيراً.

كذلك تكلمت عن هذا الموضوع بإسهاب أيضاً في شريط بعنوان (ذنوب الخلوات)، لعلك لو سمعته أيضاً سوف تستفيد فوائد كثيرة بإذن الحي القيوم.

وننبهك أيضاً إلى ألا تكون هذه المخالفات الصغيرة سبيلاً إلى صدك عن التوبة والاستمرار في الخير والعطاء، فلا تقنط من رحمة الله، وجاهد نفسك على الخير، واعلم أن الله معك، ولن يخذلك.

وفي الختام: حافظ على زوجتك، وكن سعيداً معها، وأذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم من امرأة ما يُعجبه فليأتِ أهله، فإن الذي عندها مثل الذي عندها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فذهابك إلى بيتك وجلوسك مع زوجتك كل هذا سوف يعالج عندك هذه الأمراض، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، وأسأل الله لك الثبات على طاعته وعلى عبادته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً