السؤال
هل صحيح أن القلب السليم لا بد أن تحدث له مكاشفات ؟ يقول أهل التصوف إذا صفا القلب صار كالمرآة يرى من المغيبات ما لا يراه غيره. فهل هذا شرط ليوصف القلب بأنه سليم أم أنه يمكن أن يكون القلب سليما ولا يحصل معه مكاشفات للمغيبات؟
هل صحيح أن القلب السليم لا بد أن تحدث له مكاشفات ؟ يقول أهل التصوف إذا صفا القلب صار كالمرآة يرى من المغيبات ما لا يراه غيره. فهل هذا شرط ليوصف القلب بأنه سليم أم أنه يمكن أن يكون القلب سليما ولا يحصل معه مكاشفات للمغيبات؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذا الكلام غير صحيح، ويدل لبطلانه أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أزكى الناس قلوبا ولم يكثر فيهم الكشف، فهذا أبو بكر رضي الله مكث أياما ولم يطلع على براءة عائشة رضي الله عنها، ورحم الله أحمد البدوي فقد قال في منظومته في الأنساب:
وصحب المصطفى لا يتشوفون للكرامة بل قصدهم لنيل الاستقامة
وقل من بالكشف منهم اشتهر ......
والقلب السليم عرفه ابن القيم في إغاثة اللهفان بقوله: القلب الصحيح : هو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به كما قال تعالى : يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. [ الشعراء : 88 ] والسليم هو السالم، وجاء على هذا المثال لأنه للصفات كالطويل والقصير والظريف، فالسليم القلب الذي قد صارت السلامة صفة ثابتة له كالعليم والقدير، وأيضا فإنه ضد المريض والسقيم والعليل.
وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم، والأمر الجامع لذلك : أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره. فسلم من عبودية ما سواه وسلم من تحكيم غير رسوله فسلم في محبة الله مع تحكيمه لرسوله في خوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه، والذل له وإيثار مرضاته في كل حال والتباعد من سخطه بكل طريق. وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده فالقلب السليم : هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما بل قد خلصت عبوديته لله تعالى : إرادة ومحبة وتوكلا وإنابة وإخباتا وخشية ورجاء، وخلص عمله لله فإن أحب أحب في الله وإن أبغض أبغض في الله وإن أعطى أعطى لله وإن منع منع لله، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسوله فيعقد قلبه معه عقدا محكما على الائتمام والاقتداء به وحده دون كل أحد في الأقوال والأعمال من أقوال القلب وهي العقائد، وأقوال اللسان وهي الخبر عما في القلب، وأعمال القلب وهي الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها. وأعمال الجوارح فيكون الحاكم عليه في ذلك كله دقه وجله هو ما جاء به الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل كما قال تعالى : يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله [ الحجرات : 1 ] أي لا تقولوا حتى يقول ولا تفعلوا حتى يأمر. قال بعض السلف : ما من فعلة وإن صغرت إلا ينشر لها ديوانان : لم وكيف أي لم فعلت وكيف فعلت. فالأول سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه : هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل وغرض من أغراض الدنيا في محبة المدح من الناس أو خوف ذمهم، أو استجلاب محبوب عاجل أو دفع مكروه عاجل، أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه وتعالى وابتغاء الوسيلة إليه.
ومحل هذا السؤال : أنه هل كان عليك أن تفعل هذا الفعل لمولاك أم فعلته لحظك وهواك؟
والثاني : سؤال عن متابعة الرسول عليه الصلاة و السلام في ذلك التعبد أي هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولي، أم كان عملا لم أشرعه ولم أرضه؟
فالأول سؤال عن الإخلاص، والثاني عن المتابعة، فإن الله سبحانه لا يقبل عملا إلا بهما .
فطريق التخلص من السؤال الأول : بتجريد الإخلاص. وطريق التخلص من السؤال الثاني : بتحقيق المتابعة وسلامة القلب من إرادة تعارض الإخلاص وهوى يعارض الاتباع، فهذا حقيقة سلامة القلب الذي ضمنت له النجاة والسعادة... اهـ
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني