الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اجتماع الرجل والمرأة الأجنبية عنه على السلم وحدهما هل يعد من الخلوة

السؤال

من المعلوم لدي أن تعريف الخلوة المحرمة هو انفراد الرجل بامرأة من غير المحارم في مكان لا يراهم فيه الناس، وإن كان بينهم حائل يمكن الوصول فيه إلى بعضهم فهي أيضا خلوة بناء على فتاوى سابقة لكم، ووسؤالي هو: فتاة من مصر تبلغ 23 عاما تسكن مع والديها بمفردها في منزل يملكونه، والدور الأول والثاني به تسكنه أسر ولكن تغلق على نفسها بحيث يكون من على السلم في معزل عنهم، أما الدور الثالث فتسكن فيه مع والديها فقط، والدور الرابع خال ولا يصعد إليه أحد غيرها هي ووالداها، جاء لزيارتهم ابن خالتها ليلا وهو شاب في مثل سنها في عدم وجود والديها ففتحت له الباب فأصبح من السهل وصول أحدهم للآخر وهي بحجابها الشرعي لتعطيه مفتاح شقة الدور العلوي دون أن يكون معهما أحد ولا يراهما أحد ولا يسمعهما أحد ثم عرضت عليه الدخول لشقتها لكي يستريح وتصعد هي إلى الدور العلوي، ولكن لم يحدث ذلك وصعد هو إلى الدور العلوي بعد أن أخذ المفتاح منها ثم ذهبت لتعد الطعام له وذهبت به إليه وقابلته على السلم لتعطيه صينية الطعام فأصبح منفردا بها على السلم دون حائل أصلا بعيدا عن أعين الناس، وللعلم فإن الدورين الثالث والرابع لم يكن بهما سواهما والسلم هادئ لا يمر عليهما فيه أحد، فأنا أرى أنه تحققت شروط الخلوة المحرمة من اختفاء عن أعين الناس وانفراده بها دون حائل يمنع وصوله إليها، ولتسمحوا لي بسؤال آخر يحدث كثيرا عندنا في مصر: وهو أن يطرق بابهم رجال من غير المحارم وهي منفردة في بيتها في غياب والديها للسؤال عن والدها، فهل فتحها للباب والرد عليهم ومحادثتهم على السلم بحيث يمكنهم الوصول إليها تتحق فيه شروط الخلوة المحرمة؟ علما بأن السلم هادئ ولا يمر عليه أحد، لأن الدورين الذي تسكن فيه والذي يعلوه خاليان، وجزاكم الله كل الخير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فخلوة الرجل بالمرأة الأجنبية حرام بلا خلاف بين العلماء، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ. متفق عليه.

والخلوة معناها: اجتماع الرجل والمرأة في موضع يأمنان فيه من دخول أحد عليهما، أو بحيث تحتجب أشخاصهما عن الناس قال ابن نجيم: فَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ إنْ كان لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنٍ فَهِيَ خَلْوَةٌ.

وقال البجيرمي: وضابط الخلوة اجتماع لا تؤمن معه الريبة عادة بخلاف ما لو قطع بانتفائها عادة فلا يعد خلوة.

وأما إذا كان بينهما حائل فقد نص الحنفية على انتفاء الخلوة به، جاء في رد المحتار: ولو طلقها بائنا وليس إلا بيت واحد يجعل بينهما سترة، لأنه لولا السترة تقع الخلوة بينه وبين الأجنبية وليس معهما محرم.

قال ابن عابدين: وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْخَلْوَةَ الْمُحَرَّمَةَ تَنْتَفِي بِالْحَائِلِ، وَبِوُجُودِ مَحْرَمٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ قَادِرَةٍ.

وعليه، فإن كان اجتماع المرأة والرجل الأجنبي على السلم أو غيره بحيث يأمنان من دخول أحد عليهما فتلك خلوة محرمة جاء في تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي: وَفِي التَّوَسُّطِ عَنْ الْقَفَّالِ لَوْ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ الْمَسْجِدَ عَلَى رَجُلٍ لَمْ تَكُنْ خَلْوَةً، لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ كُلُّ أَحَدٍ انْتَهَى، وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ مَطْرُوقٍ وَلَا يَنْقَطِعُ طَارِقُوهُ عَادَةً وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقُ أَوْ غَيْرُهُ.

وننبه إلى أن اجتماع الرجل والمرأة الأجنبية على وجه فيه ريبة لا يجوز ولو انتفت الخلوة، فإن الشريعة جاءت بمنع الذرائع المفضية إلى الحرام، ولاريب أن فتنة النساء فتنة عظيمة، فالواجب الحذر من التهاون فيما قد يؤدي إلى الفتنة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني