الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد الخطبة اكتشفت أن خطيبي مصاب بمرض نادر فرفض أهلي إتمام الخطبة فأرشدوني

السؤال

تقدم لي شاب صالح، ذو خلق، ومتدين, وحدثت الرؤية الشرعية, وأحس كل منا بالقبول اتجاه الآخر, وتمت قراءة الفاتحة بعد الاتفاق على كل شيء, وفي يوم قراءة الفاتحة طلب الجلوس معي، وأخبرني أن لديه مرضًا حميدًا في قدمه، وأنه يتابع العلاج, وفي تحسن مستمر, ولأنه كان بداخلي شبه يقين بأن هذا هو الشخص الذي أريد استكمال حياتي معه، لم أعطه الفرصة لسرد تفاصيل المرض, بل قلت له: وما المشكلة في ذلك؟ فالمرض من عند الله، فلم يسرد التفاصيل بعد قولي هذا, ومرت الأيام وتمت الخطبة، وبعد مجهود كبير من الحركة، والوقوف لمدة ساعتين كاملتين، أحس أهلي بإجهاده، وأصابهم القلق، وأرادوا معرفة تفاصيل المرض، فتحدث معهم ومعي بكل صراحة، وبأن هذا المرض مرض نادر، وحديث، ولم يصل الطب حتى الآن لعلاج له، ولكنه في تحسن وإن كان بطيئًا, وهو يتعالج منذ ثمان سنوات، وفي تحسن مستمر عامًا بعد عام، ولكن هناك احتمالات بأن تتدهور حالته، أو أن يظل يتلقى العلاج، ويتحسن ببطء، وهناك احتمال أن يشفى - فالله هو الشافي، وقادر على كل شيء - ولكن عند سؤال أهلي للأطباء المختصين بمثل هذه الأمراض اتضح أنه من ضمن الاحتمالات الواردة في حالة تدهور حالته - والتي لها علاقة بأمراض المناعة الذاتية، وهو مرض مخ وأعصاب - بأنه يمكن للمرض أن يصيب أي جزء في المخ, وهذا الجزء قد يكون مسؤولًا عن النظر، أو السمع، أو النطق، أو حتى القدرة الجنسية لديه، ولكن هذا مجرد احتمال، ولا توجد أي نسبة لأي احتمال، ولا يستطيع أي طبيب الجزم بذلك، فلا يعلم ذلك غير الله، وبعد معرفة وجود هذا الاحتمال، وشكهم في أنه أراد أن يخفي عنهم مرضه، أصر أهلي على إنهاء الخطبة، ولكنني استخرت الله كثيرًا، ودعوته أكثر في قيام الليل، واستشرت من حولي من صديقات عاقلات، وأخذت بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه" "وتفاءلوا بالخير تجدوه". وقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما يشاء" فلماذا أسيء الظن بالله، وأسير وراء احتمال أن حالته لن تتحسن، أو أن الاحتمال السيئ بتدهور حالته هو الذي سيصيبه؟ ولم لا أحسن الظن بالله، وأكون على يقين بأنه وحده الذي يعلم الغيب، وما يخفى علينا في المستقبل؟ وبعد صلاة الاستخارة، ومشورة الكثيرات، توصلت لقرار أني سأتوكل على الله، وسأظل معه لثقتي بأنه شخص صالح سيأخذ بيدي للجنة؛ لأنه من الآن يأخذ بي إلى الجنة، ويعينني على صلاة الفجر في وقتها، وعلى صلاة قيام الليل أيضًا، ويتقي الله فيّ، ولا يريد أن يفعل شيئًا حرامًا لا يجوز له فعله مع خطيبته، فهو يعلم حدود الله في شيء كهذا، فهل أنا على حق بتمسكي به؟ وما رأي الدين في شيء مثل هذا؟ وأطلب منكم الدعاء لي بأن يرشدني الله للصواب، ولما فيه الخير لي وله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحقق لك بغيتك في الزواج من رجل صالح يعينك في أمور دينك ودنياك، إن ربنا قريب مجيب.

وبخصوص هذا الرجل، فإن كان معيبًا فعلًا، واعترض وليك على زواجك منه، ولم يمكنك إقناعه بالموافقة على زواجك منه، فقوله معتبر - كما نص على ذلك الفقهاء -.

جاء في حاشية العدوي المالكي على شرح كفاية الطالب الرباني قوله: فللمرأة بكرًا أو ثيبًا مع وليها ترك الكفاءة، والرضا بالفاسق بالجارحة، والمعيب، فإن تركتها المرأة فحق الولي باق .اهـ.

ثم إن الغالب في الولي النظر في مصلحة المرأة، والشفقة عليها، والغالب أنه أبعد نظرًا منها، ويحكم العقل، وتكون رغبة المرأة في الزواج من الرجل المعين من منطلق العاطفة، ثم إذا وقع ما يخشى لم تستطع الصبر على ذلك.

فالأفضل حينئذ صرف النظر عنه، وعليك بسؤال الله تعالى أن يبدلك خيرًا منه، وأحسني الظن به، وفوضي الأمر إليه، ولا ينبغي أن تربطي مستقبلك بشخص معين؛ قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني