السؤال
نحن نعرف ما هو النزع وكيف يكون؟ وماهي مراحله؟ لكن وصفه الشيوخ جميعا على أنه الإنسان جسدا حيا كاملا أو شبه كامل... فلو أن الإنسان تفتت بانفجار أو ما شابهه.. فكيف تخرج الروح بالوصف الذي نعرفه.. فهو أشلاء ليس له أقدام... ولا قلب ولا رئة ليتنفس... وكذلك المحترق، وأيضا...عند آخر الزمان..عندما تصطدم الأرض بالقمر وتحدث الانفجارات العظيمة، فما مصير جثث العباد؟ وأين تكون أرواحهم؟ أعتقد أن عجب الذنب تبقى داخل مزيج الانصهار وعندما تتكون أرض المحشر تعود الجثث من خلالها وتخرج، فهل هذا خطأ أم لا؟ وهل الأرواح عند ذلك الوقت تمر في حالة السكون أم يعلمون ماذا يحدث في الكون فتصيبهم رهبة أم ماذا؟.
وشكرا لموقعكم المميز ولأعضائها المميزين، وجزاكم الله خيرا..
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الأمور وأمثالها من الغيب الذي لا ندري كنهه وحقيقته، ونقف فيه عند حدود الوحي، ولا نتعدى ذلك، ولا نقصر فيه، ولا نحيد عنه، ونكل تفاصيله وحقائقه إلى الله تعالى، ونرد المتشابه منه إلى المحكم، فإذا جاءت النصوص بوصف حال النزع، نزّلنا ذلك على كل أحد حال موته، بأي سبيل وبأي سبب كان موته، ونكل العلم بكيفية حصول ذلك إلى الله تعالى، ومثال ذلك: الأحوال الثابتة لأهل القبور من أنواع العذاب والنعيم، نثبتها لكل ميت، ولو حُنِّط جسمه وبقي بيننا. قال ابن القيم في كتاب الروح: ومما ينبغي أن يعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قبر أو لم يقبر، فلو أكلته السباع أو أحرق حتى صار رمادا ونسف في الهواء، أو صلب، أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى القبور. اهـ.
وقال في موضع آخر: ينبغي أن يعلم أن عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه وهو ما بين الدنيا والآخرة، قال تعالى: ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ـ وهذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة، وسمي عذاب القبر ونعيمه وأنه روضة أو حفرة نار، باعتبار غالب الخلق، فالمصلوب والحرق والغرق وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله، وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتهما، فقد ظن بعض الأوائل أنه إذا حرق جسده بالنار وصار رمادا وذري بعضه في البحر وبعضه في البر في يوم شديد الريح أنه ينجو من ذلك، فأوصى بنيه أن يفعلوا به ذلك، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال: قم، فإذا هو قائم بين يدى الله، فسأله: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: خشيتك يا رب وأنت أعلم، فما تلافاه أن رحمه، فلم يفت عذاب البرزخ ونعيمه لهذه الأجزاء التي صارت في هذه الحال، حتى لو علق الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الرياح لأصاب جسده من عذاب البرزخ حظه ونصيبه، ولو دفن الرجل الصالح في أتون من النار لأصاب جسده من نعيم البرزخ وروحه نصيبه وحظه، فيجعل الله النار على هذا بردا وسلاما، والهواء على ذلك نارا وسموما، فعناصر العالم ومواده منقادة لربها وفاطرها وخالقها يصرفها كيف يشاء، ولا يستعصي عليه منها شيء أراده، بل هي طوع مشيئته مذللة منقادة لقدرته، ومن أنكر هذا فقد جحد رب العالمين وكفر به وأنكر ربوبيته. اهـ.
وقال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: اعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قبر أو لم يقبر، أكلته السباع أو احترق حتى صار رمادا ونسف في الهواء، أو صلب أو غرق في البحر ـ وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور، وما ورد من إجلاسه واختلاف أضلاعه ونحو ذلك ـ فيجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراد ما قصده من الهدى والبيان. اهـ.
وعلى هذا النحو يحمل حال نزع الروح، بغض النظر عن طريقة الموت وسببه! وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 225733 وما أحيل عليه فيها.
وقال الشيخ ابن عثيمين: مسائل الآخرة كلها أمور غيب لا نطلع على شيء منها إلا عن طريق الوحي، ولهذا لا ينبغي لنا أن نتعمق في السؤال عنها، لأننا سنصل إلى باب مسدود، ولن نصل إلى شيء من التفاصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة. اهـ.
وأما ما ذكرته السائلة في ما يخص عجب الذنب: فهو صحيح من حيث الجملة، وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 38387، ورقم: 77.
ولكن ينبغي أن يستصحب في ذلك ما نبهنا عليه آنفا، من كون هذه الأمور يجب الوقوف فيها عند حدود الوحي! ومن ذلك ما استثناه الشرع من بِلى الأجسام، كأجساد الأنبياء، فإنها لا تأكلها الأرض، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 111678.
وقال المنبجي في تسلية أهل المصائب: مما ينبغي أن يعلم أن البلى يختص هذا البدن المشاهد المركب، فإن هذا البدن ليس بشيء إنما هو آلة، والنظر إلى ما يؤذي الروح وينفعها، وقد روى أبو الفرج ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ بإسناده قال: دخل عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ المسجد، وقد قتل عبد الله بن الزبير، فمال إلى أسماء أم ابن الزبير، فقال لها: اصبري، فإن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله تعالى، ثم قال: وروينا عن ابن الزبير، أنه قال لأمه أسماء قبل قتله: يا أماه، إن قتلت فإنما أنا لحم لا يضر ما صنع بي، وروى خالد بن معدان، قال: لما قتل هشام بن العاص يوم أجنادين، وقع على ثلمة فسدها، ولم يكن ثم طريق غيره، فلما انتهى المسلمون إليه، هابوا أن يوطئوه الخيل، فقال عمرو بن العاص: أيها الناس، إن الله قد استشهده ورفع روحه، وإنما هو جثة، فأوطئوه الخيل، ثم أوطأه هو، وتبعه الناس حتى قطعوه، وإذا ثبت هذا، فإن الله تعالى إذا أتلف هذا البدن الترابي وأبلاه، المعرض للآفات، فإنه سيعيده بدناً لا يبلى، في حياة لا تنفد أبداً، وتبدل صعوبات التكليف بحسن الجزاء، ويعطيهم أجوراً باقية عن أعمال منقطعة. اهـ.
وأما حال أرواح الموتى حين وقوع أهوال الساعة: فقد روي في حديث الصور المشهور ما يفيد ذلك، فقال السفاريني في لوامع الأنوار البهية: أخرج ابن جرير في تفسيره، والطبراني في المطولات، وأبو يعلى في مسنده، والبيهقي في البعث وأبو موسى المدني في المطولات، وعلي بن معبد في كتاب الطاعة والعصيان، وعبد بن حميد، وأبو الشيخ في كتاب العظمة، عن أبي هريرة في حديث طويل وفيه: والأموات يومئذ لا يعلمون بشيء من ذلك، قلت: يا رسول الله؛ من استثنى الله تعالى في قوله: إلا من شاء الله؟ {الزمر: 68} قال: أولئك الشهداء، وإنما يتصل الفزع إلى الأحياء، وهم أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم، وآمنهم منه، وهو عذاب يبعثه الله على شرار خلقه، يقول الله: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد {الحج: 1ـ 2} فيمكثون في ذلك ما شاء الله.. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 241693.
وقد نص بعض أهل العلم على أن هذه الأهوال إنما تكون في الموقف بعد البعث، قال القرطبي في التذكرة: وما وقع في هذا الحديث ـ يعني حديث الصورـ من انشقاق السماء وتناثر نجومها وطمس شمسها وقمرها، فقد ذكر المحاسبي وغيره: أن ذلك يكون بعد جمع الناس في الموقف، وروي عن ابن عباس وسيأتي، وقاله الحليمي في كتاب منهاج الدين. اهـ.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 93926، 15281، 151037.
والله أعلم.