الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الغيرة بين الزوجات... الدلالة... والحكمة

السؤال

سؤالي بخصوص تعدد الزوجات. أعلم أنه مشروع، ويعود على المجتمع بمنافع. لكن ما أجده من شعور مؤلم أن أغلب النساء إن لم يكن جمعيهن يبغضن هذا الأمر.
كيف يمكن أن يتجاهل الإسلام شعورهن حتى وان عدل الزوج بينهن. فالغيرة موجودة وتؤلم.
وتبعا لهذا السؤال في الجنة حور عين، أي أن في الجنة تعددا. لماذا يجعل الله في الجنة شيئا نكرهه أشد الكره. والجنة فيها ما تشتهي الأنفس/ لكن هذا الأمر من أشد ما تبغضه النساء.
أحاول تجاهل الأمر؛ لأنه شيء مكتوب، لكن دائما ما تراودني هذا الأفكار وتؤلمني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكما ذكرت فإن تعدد النساء مشروع، وأنه يعود على المجتمع بمنافع، وسبق وأن بينا حكمة الشرع في إباحة التعدد، فيمكنك الاطلاع على ذلك في الفتوى: 71992، والفتوى: 2286.

وهذا لأن هذا الحُكْم وغيره من تشريع العليم الحكيم، فلا تصدر تشريعاته إلا عن علم وحكمة، ولهذا فإن من مقتضى الإيمان التسليم لله عز وجل في أحكامه، وعدم معارضتها بأي أفكار قد ترد على الخاطر، قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء:65}.

وهذا لا يعني عدم التماس الحكمة، فإن معرفة الحكمة تزيد المؤمن يقينا على يقينه. وتلك الحكم التي أشرنا إليها وغيرها من الحِكَم التي لا نعلمها.

والغيرة من الأمور الجبلية التي طبع الله عليها النساء في أصل خلقتهن -ولا تختص بها النساء فهي في الرجال أيضا- وهذه الغيرة لها حكمتها، ومن ذلك حكمة الابتلاء، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2}.

قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم: والغيرة عند النساء مِن جُملة الابتلاء الذي يبتلي الله به عباده، وهو سبحانه وتعالى لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.

وهذا الابتلاء من النساء من تتجاوزه بالصبر واليقين، وضبط الغيرة، ومنهن مَن تُخفِق فيه باتِّبَاع الهوى الغِلّ والبغضاء والتحاسد والتباغض، وهذا مما نُهينا عنه. اهـ.
ولا مؤاخذة على المرأة فيها ما لم يترتب عليها ما يبغضه الله من قول أو فعل.

قال ابن حجر في فتح الباري، وهو يتكلم عن الضرتين: فالغيرة منهما إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء، فتعذر فيها ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل. وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف الصالح من النساء في ذلك. اهـ.

وفي الغيرة دلالة على محبة المرأة لزوجها، ثبت في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «ما لك؟ يا عائشة أغرت؟» فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟.

قال ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: أي: كيف لا يغار من هو على صفتي من المحبة. اهـ.

وعلى كل؛ فمهما كان في الغيرة على المرأة على ضرتها من ألم على النفس، فهذه مفسدة لا تلغى من أجلها كل تلك المصالح. والغالب أن لا تخلو أمور الحياة من مفاسد، والموازنة بين المصالح والمفاسد نهج العقلاء.

واعلمي أن أمر الغيرة هذه محلها الدنيا، وأما في الآخرة والجنة فالقلوب سليمة من ذلك كله؛ لأن الجنة دار النعيم الكامل المقيم والسعادة الأبدية، فنزهها الله عن أن يكون فيها ما يكدر على المؤمنين صفوها، قال الله عز وجل: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ {هود:108}.

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا.

وننبه إلى أن مجرد توارد الأفكار السيئة على الذهن لا يضر صاحبه إن كان يدافعه، فلا يجعل له استقرارا في قلبه بحيث يصبح معتقدا له، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 389233.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني