الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حقّ الزوج مقدم حق الوالدين عند التعارض

السؤال

هناك نقطتان نحتاج إضافتهما للسؤال السابق -2886920- وهما:
أولا: زوجي يفضل بقاءنا بعيدا، ليتلافى مشكلة التصادم مع أمه ومواجهة ظلمها، ولشبه استحالة إقناعها بحقنا الشرعي بسكن مستقل، فهي مثلا كانت تغضب مني كزوجة ابنها، وتدعو عليّ إذا لم أنم بغرفتها هي وزوجها، مع وجود أبنائها الشباب في الغرفة، بدلا من النوم بغرفتي مع زوجي. وترى أن ذلك من حقها، فلذلك يريد زوجي تجنب الدخول في هذه النقاشات العقيمة، والمآسي السابقة، وأساليب حماتي الظالمة وتهديداتها غير المنطقية كأن تهدد أبناءها بالزواج. وهي في الستينيات من العمر فقط لإغاظتهم، أو العيش في خيمة أمام دارهم، أو ذهابها إلى دار المسنين إذا قرر أحدهم أن يستقل بمنزل وحده هروبا من ظلمها وعدوانها، فهي تعاني من نرجسية خطيرة، وعلى الجميع أن يتحمل عذابها ولا يتنفس، فهو بحسب قوله أنه مضطر للبقاء هنا بالرغم من المعاناة على مواجهة هذا المصير المؤلم، وذلك درءا للمفسدة التي ستقع بعلاقة أمه به، ويداوم على زيارتها والاتصال بها.
وثانيا: منذ البداية بعقد عمله الحالي، وزوجي يفكر في العمل أصلا خارج البلد عند انتهاء هذا العقد قريبًا، لأنه يعاني جدا من بيئة وظروف العمل الصعبة كالاختلاط وقلة الأجور، واستقطاع بعضها، وتأخيرها مقابل الكفاءة والمجهود، وظروف أخرى صعبة أيضا داخل البلد، وبطبيعة الحال يجب علينا مرافقته -أنا والأطفال-؛ لأن والدي ووالدتي لا يستطيعان تحمل وجودي معهم، أو تحمل مسؤولية أطفالي، كما ذكرت في السؤال السابق. فهل يجب عليّ تقديم طاعته وموافقته في كلتا النقطتين السابقتين على المكوث بجانب والدي ووالدتي، لعلهم يحتاجون لمساعدتي؟ وما هي الطريقة المثلى التي أستطيع بها أن أبر أمي وأبي بحيث لا يلحق بنا إثم، أو تقصير معهما؟ ومدينتنا حاليا تبعد مسافة ساعة ونصف بالسيارة، وأزورهم كل فترة، وأتصل بهم هاتفيا دائما، بالإضافة إلى ذلك بعت مصوغاتي وأعطيتهم ثمنها احتياطا، لينفقوها كأجرة لخدمتهم. ولديَّ أختان متزوجتان، ولا يوجد لدينا أخ.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فعليك طاعة زوجك؛ في مصاحبته حيث يقيم؛ ما دامت إقامته في بلد آمن، ولا ضرر عليك في البقاء معه، وقد نصّ أهل العلم على أنّ للزوج أن يسافر بزوجته حيث شاء، ما دامت آمنة على نفسها، ولم تشترط عليه في العقد البقاء في بلدها.

ففي المذهب الحنفي قال المرغيناني -رحمه الله- في بداية المبتدي: وإذا أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء. انتهى.

وفي المذهب المالكي قال الحطّاب -رحمه الله- في مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل: للرجل السفر بزوجته إذا كان مأمونا عليها. انتهى.

وفي المذهب الشافعي جاء في حاشية الجمل على شرح المنهج: ومن النشوز أيضا امتناعها من السفر معه ولو لغير نقلة، كما هو ظاهر، لكن بشرط أمن الطريق والمقصد. انتهى.

وفي المذهب الحنبلي قال ابن قدامة -رحمه الله- في المقنع: وله السفر بها إِلا أن تشترط بلدها. انتهى.

وطاعة زوجك في هذا الأمر مقدمة على طاعة والديك؛ فحقّ الزوج مقدم حق الوالدين عند التعارض.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ كَانَ زَوْجُهَا أَمْلَكَ بِهَا مِنْ أَبَوَيْهَا، وَطَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا أَوْجَبُ. انتهى من مجموع الفتاوى.

ثمّ إنّ زوجك يريد البقاء في البلد البعيدة عن بلد الأهل؛ لأغراض صحيحة، ومصالح معتبرة لكل منكما، وبقاؤك في بلد بعيد عن والديك؛ لا يمنعك من برّهما والقيام بحقّهما؛ فالبر باب واسع ليس مقصورا على الإقامة، أو الزيارة، ولكنه يحصل بكل أنواع الإحسان حسب ما يعد في العرف صلة، كالإعانة في النفقات، والاتصال بالهاتف، والمراسلة، والهدية ونحو ذلك.

جاء في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ: إيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الشَّرِّ، بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. انتهى.

وراجعي الفتوى: 285025.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني