الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تحري الحلال لا يسوغ البطالة والقنوط

السؤال

همتي متعلقة بأن لا أكسب إلا حلالا مما يرضي الله وما يرضي رسوله ... ولكنني محتار في أمري من أين سأجد الرزق الحلال الخالص ... أؤكد أنني إلى حد الآن عاطل عن العمل رغم أنني حاصل على شهادة جامعية ... وبالرغم من توفر مواطن الشغل في بلدنا ومن توفر فرص تمنحها الدول لإحداث مؤسسات وبعث مشاريع ورغم التشجيعات الني أتلقاها من قبل الأهل والأقارب والأصحاب إلا أنني الي حد الآن لا أنوي أن أشتغل أو أن أحدث مشروعا أو أي شيء والسبب هو أن في بلدان مصادر وموارد لا تنفك أن تكون من الربا الخالص الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوعد الله سبحانه وتعالي فاعله وممارسه بالحرب لأن الاشتراك والتعامل بالأموال الربوية ليست إلا حربا على الإسلام شأنها كشأن دور السينما والملاهي وغيرها ... وأنتم تعلمون أن الأجور التي يتقاضاها الموظفون في الشركات إنما تصدر من المؤسسات المالية مثل البنوك و مراكز البريد ... والى حد الآن عازم على عدم الخروج من البيت من أجل كسب الرزق لأنني مصر وعازم على شرط وهو كما اشترطته السنة الشريفة : أما أن يكون الكسب حلالا بعيدا عن الريا وهو رأس المحرمات ناهيك عن الاختلاط و النظر المحرم وغير ذلك مما يتعرض إليه المؤمن من الفتن أثناء العمل ... أو أن أترك الكسب نهائيا وأن أكف نفسي عن البحث عن عمل يسدد لي رمق العيش وأن أنتهي عن التفكير لإحداث مشروع كبديل للبحث عن شغل نظرا لأن المشاريع مهما كان حجمها هي أيضا وسائل للوقوع في الربا ... فهي وسائل يقع تمويلها من طرف بنوك خاصة بحيث يجب تسديد فوائد مالية بعد 5 سنين من العمل في ميدان المشروع وبقطع النظر عن الصعوبات التي يواجهها صاحب المشروع فهي لا تنفك الا أن تكون هي أيضا حربا على الإسلام ... أريد في الختام أن تصوبوا رأيي إن كان ما أقوم به خطأ أو مبالغة فيه أو صحيح ... وأن ترشدوني إلى أمثلة من الكسب الحلال الخالص يمكن أن تكون بعيدة كل البعد عن الربا قبل كل شيء ثم بقية المحرمات مثل الاختلاط وغيره ... فقد قرأت في بعض كتب السيرة السلفية ومن حياة الصحابة أنهم كانوا يلتمسون الرزق الحلال من صيد البحر طوال حياتهم وأكد صاحب الكتاب أن من يسلك هذا السلوك هو مبالغ فيه ... فأريد أن أن أعرف أيضا كيف يمكنني أن أتخلص من الربا ومن الأموال الربوية ...

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا ريب أن تحري الرزق الحلال مما أمر الله به عباده المؤمنين، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ . ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك.

فشكر الله للأخ السائل تحريه وحرصه على أن يكون مكسبه حلالا، لكن لا يصلح أن يحمله ذلك على البطالة والقعود أو على اليأس والقنوط، فأرض الله واسعة والحلال متوفر ولكن يحتاج إلى همة عالية وسعي دؤوب.

ولا ينبغي إذا قرأنا في سير السلف أن نعيش مشاكلهم، فكل زمان له مشاكله وله أسباب رزق مختلفة وله ظروف مغايرة.

فالذي يأخذ من سير السلف هو القدوة الحسنة في تحري الرزق الحلال، أما وسائله وطرقه فهذه متروكة لنا نحن، ولا يستقيم أن ننتظر من سيرة السلف أن تدلنا على أسباب الرزق في زمن لم يعيشوا فيه، فالمقصود أن المطلوب من الأخ السائل أن يخرج إلى الحياة ويمشي في الأرض ليأكل من رزق الله الحلال، ولا يمكننا هنا أن نذكر له أمثلة تفصيلية لوجوه الرزق الحلال فهذا يعود إلى ظروف كل بلد وكل شخص.

أما عن المعاملات المشتملة على قروض ربوية أو قمار ونحو ذلك فهذه يجب اجتنابها إلا لمضطر، كما قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119}

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني