ذكر ما يجوز من الخلع وما لا يجوز
قال الله - جل من قائل - : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) إلى ( فأولئك هم الظالمون ) .
قال فظاهر كتاب الله يستغنى به عن كل قول، وقد حرم الله عز وجل على الزوج في هذه الآية أن يأخذ منها شيئا مما آتاها إلا بعد الخوف الذي ذكره، ثم أكد تحريمه ذلك بتغليظه الوعيد على من تعدى وخالف أمره فقال: ( أبو بكر: تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) .
على مثل معنى كتاب الله . وثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خالع بين رجل وامرأته
7729 - حدثنا حدثنا محمد بن إسماعيل، عبيد الله بن عمر، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن عن قتادة، عكرمة، عن : ابن عباس أن [جميلة] بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ما أعتب على ثابت خلقا ولا دينا، ولكني لا أستطيعه وأكره الكفر في الإسلام، قال: "تردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم، قال: فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها ما ساق إليها لا يزداد . [ ص: 317 ]
وبمثل معنى آيات الله، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عوام أهل العلم. وحظروا على الزوج أخذ شيء من مالها إلا أن يكون النشوز من قبلها، روي معنى ذلك عن ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وابن سيرين، والقاسم بن محمد، وعمرو بن دينار، وعمرو بن شعيب، وعروة بن الزبير، والزهري، وحميد بن عبد الرحمن، وبه قال وقتادة، سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وإسحاق، وحكي عن وأبو ثور، النعمان أنه قال: إذا جاء الظلم والنشوز من قبله فخالعته فهو جائز ماض وهو آثم لا يحل ما صنع ولا يجبر على رد ما أخذ .
قال وهذا من قوله خلاف ظاهر كتاب الله، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما أجمع عليه عوام أهل العلم. قال الله تبارك وتعالى: ( أبو بكر: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) فحرم الله على الزوج أن يأخذ مما آتاها شيئا إلا على الصفة التي ذكرها عز وجل (وقال) قائل: لما جاز أن يأخذ مالها إذا طابت به نفسها على غير طلاق جاز أن يأخذ مالها على الطلاق وهذا غلط كبير من قائله، وغفلة شديدة من المحتج به، لأنه حمل ما حرمه الله في كتابه من [ ص: 318 ] أبواب المعاوضات على ما أباحه من سائر أبواب العطايا المباحة، وهذه المعاوضة وهذا التشبيه إن لم يكن أعظم في التجاوز إلى إباحة المحرم فليس بدونه لخلافه ظاهر الكتاب. أفترى هذا القائل يستحيي أن يجيز ما حرم الله من [الربا] في كتابه بما أباح من العطايا على غير العوض فيقول: لما أبيح أن أهب مالي بطيب نفس بغير عوض جاز لي أن أعطيه في أبواب الربا بعوض، فإن استعظم ذلك وقال: لا يجوز تشبيه ما نهى الله عنه بما أباح ليعلم أنه قد أتى مثل ما استعظم في باب الربا حيث شبه قوله عز وجل ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) بما حرم في قوله: ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) ولقد بلغني من غير واحد ممن نصب نفسه أو نصب للفتوى أنه سئل على [من] لشيء لا بد له من فعله. أن يأخذ منها شيئا ويخالعها به ثم يفعل ما قد حلف أن لا يفعله أو يمتنع مما حلف ليفعلنه في يومه أو شهره بعد الخلع ثم يرجع فيخطبها وينكحها، فأقل ما يلزم قائل هذا القول خلاف قوله عز وجل: ( حلف بطلاق زوجته ثلاثا لا يفعل كذا، وليفعلن كذا ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) فنقول كيف تشير بأخذ ذلك وهما جميعا يقيمان حدود الله في أداء كل واحد منهما إلى صاحبه ما يجب له على صاحبه بل يحل لك أن تأخذ منها ما لم يكن تحريمه موجودا في قوله: ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) ، [ ص: 319 ] وهذا من الأمور التي لا تحتمل التأويل، وليس بحديث فيحتال مخالفه إلى الطعن في إسناده، ولا تحريفه بالتأويل عن ظاهره، ولقد بلغني عن بعض من لم يكن عنده فيما قلنا مدفع أنه قال: إنما أخبرنا ذلك من جهة تراضيهما به، فلو عارض هذا القول معارض في كثير من أبواب الزنا ونكاح الشغار ونكاح المحرم وكثير من البيوع الفاسدة المختلف فيها إنا إنما أجزنا ذلك لتراضيهما به، فمن أبطل هذه الأشياء المختلف فيها، وأجاز ما تحريمه موجود في ظاهر الكتاب خارج عن أبواب الإنصاف يستعمله للحكم الذي لا يعجز عنه أحد. والله أعلم .