[ ص: 52 ] المسألة الخامسة
اختلفوا في : هل يفتقر في كل صورة إلى كونه منقولا عن العرب ، أو يكفي فيه ظهور العلاقة المعتبرة في التجوز كما عرفناه أولا . إطلاق الاسم على مسماه المجازي
[1] فمنهم من شرط في ذلك النقل مع العلاقة ، ومنهم من اكتفى بالعلاقة لا غير .
احتج الشارطون للنقل بأنه لو اكتفى بالعلاقة لجاز تسمية غير الإنسان نخلة لمشابهته لها في الطول كما جاز في الإنسان ، ولجاز تسمية الصيد شبكة ، والثمرة شجرة ، وظل الحائط حائطا ، والابن أبا تعبيرا عن هذه الأشياء بأسماء أسبابها لما بينها وبين أسبابها من الملازمة في الغالب ، وهي من الجهات المصححة للتجوز ، وليس كذلك ، فدل على أنه لا بد من نقل الاستعمال .
ولقائل أن يقول : ما المانع أن يكون تحقق العلاقة بين محل الحقيقة ومحل التجوز كافيا في جواز إطلاق الاسم على جهة المجاز ، وحيث وجدت العلاقة المجوزة للإطلاق في بعض الصور وامتنع الإطلاق ، فإنما كان لوجود المنع من قبل أهل اللغة لا للتوقف على نقل استعمالهم للاسم فيها على الخصوص .
فإن قيل : لو لم يكن نقل استعمال أهل اللغة معتبرا في محل التجوز فتسميته [2] باسم الحقيقة إما بالقياس عليه ، أو أنه مخترع للواضع المتأخر .
الأول ممتنع لما يأتي .
[3] والثاني ، فلا يكون من لغة العرب .
[4] [ ص: 53 ] قلنا : لا يلزم من عدم التنصيص في آحاد الصور من أهل اللغة على التسمية أن يكون كما ذكروه بل ثم قسم ثالث [5] ، وهو أن تنص العرب كليا على جواز إطلاق الاسم الحقيقي على كل ما كان بينه وبينه علاقة منصوص عليها من قبلهم كما بيناه ، ولا معنى للمجاز إلا هذا ، وهو غير خارج عن لغتهم .
فإن قيل : لو كان الأمر على ما ذكرتموه لكان المنع منهم متحققا مع وجود المطلق ، وهو تعارض مخالف للأصل يخالف ما ذكرناه .
قلنا : أمكن أن يكون المطلق ما ذكرناه مشروطا بعدم ظهور المنع ومع ظهور المنع فلا مطلق وفيه عوص .
[6] واحتج النافون بأن إطلاق المجاز مما لا يفتقر إلى بحث ونظر دقيق في الجهات المصححة في التجوز ، والأمر النقلي لا يكون كذلك .
وأيضا فإنه لو كان نقليا لما افتقر فيه إلى العلاقة بينه وبين محل الحقيقة ، بل لكان النقل فيه كافيا .
ولقائل أن يقول : أما الأول فالنظر ليس في النقل بل في العلاقة التي بين محل التجوز والحقيقة ، وأما الثاني فلأن الافتقار إلى العلاقة إنما كان لضرورة توقف المجاز من حيث هو مجاز عليها ، وإلا كان إطلاق الاسم عليه من باب الاشتراك لا من باب المجاز ، وإذا تقاومت الاحتمالات في هذه المسألة فعلى الناظر بالاجتهاد في الترجيح .