الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          القسم الثالث : ما يكون حرفا وفعلا كحاشا وخلا وعدا ، فإنها تخفض ما بعدها بالحرفية وقد تنصبه بالفعلية .

          ومنها الحرف المضارع للفعل ، وهو ينصب الاسم ويرفع الخبر مثل : إن ، وأن ، ولكن ، وكأن ، وليت ، ولعل .

          ومنها حروف العطف وهي عشرة منها أربعة تشترك في جمع المعطوف والمعطوف عليه في حكم غير أنها تختلف في أمور أخرى .

          وهذه هي : ( الواو ، والفاء ، وثم ، وحتى ) .

          أما " الواو " فقد اتفق جماهير أهل الأدب على أنها للجمع غير مقتضية ترتيبا ولا معية ، ونقل عن بعضهم أنها للترتيب مطلقا ، ونقل عن الفراء أنها للترتيب حيث يستحيل الجمع كقوله : ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ) .

          وقيل : إنها ترد بمعنى " أو " كقوله تعالى : ( أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ) قيل : أراد مثنى أو ثلاث أو رباع ، وقد ترد للاستئناف كالواو في قوله تعالى : ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ) تقديره : والراسخون يقولون آمنا به ، وقد ترد بمعنى " مع " في باب المفعول معه ، تقول : جاء البرد والطيالسة ، وقد ترد بمعنى " إذ " قال الله تعالى : ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ) إلى قوله : ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ) أي إذ طائفة قد أهمتهم أنفسهم .

          [ ص: 64 ] احتج القائلون بالجمع المطلق من تسعة أوجه :

          الأول : أنه لو كانت " الواو " في قول القائل ( رأيت زيدا وعمرا ) للترتيب لما صح قوله تعالى : ( وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ) في آية ، وفي آية أخرى : ( وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا ) مع اتحاد القضية ; لما فيه من جعل المتقدم متأخرا والمتأخر متقدما .

          الثاني : أنه لو كانت للترتيب لما حسن قول القائل " تقاتل زيد وعمرو " إذ لا ترتيب فيه .

          الثالث : أنه كان يلزم أن يكون قول القائل " جاء زيد وعمرو " كاذبا ثم مجيئهما معا أو تقدم المتأخر ، وليس كذلك .

          الرابع : أنه كان يلزم أن يكون قوله " رأيت زيدا وعمرا بعده " تكريرا و " قبله " تناقضا .

          الخامس : أنها لو كانت للترتيب لما حسن الاستفسار عن تقدم أحدهما وتأخر الآخر ; لكونه مفهوما من ظاهر العطف .

          السادس : أنه كان يجب على العبد الترتيب عند قول سيده له : إيت بزيد وعمرو .

          السابع : هو أن واو العطف في الأسماء المختلفة جارية مجرى واو الجمع وفي الأسماء المتماثلة مجرى ياء التثنية ، وهما لا يقتضيان الترتيب فكذلك ما هو جار مجراهما .

          الثامن : أن الجمع المطلق معقول ، فلا بد له من حرف يفيده ، وليس ثم من الحروف سوى ( الواو ) بالإجماع فتعين أن يكون هو ( الواو ) .

          التاسع : أنها لو أفادت الترتيب لدخلت في جواب الشرط كالفاء ، ولا يحسن أن يقال : ( إذا دخل زيد الدار وأعطه درهما ) كما يحسن أن يقال ( فأعطه درهما ) .

          ولقائل أن يقول : على الوجه الأول إذا كان من أصل المخالف أن " الواو " ظاهرة في الترتيب فلا يمنع ذلك من حملها على غير الترتيب تجوزا ، وعلى هذا فحيث تعذر حملها على الترتيب في الآيتين المذكورتين لا يمنع من استعمالها في غير الترتيب بجهة التجوز .

          [ ص: 65 ] وكذلك الكلام في قولهم ( تقاتل زيد وعمرو ) ولا يلزم من التجوز بالواو في غير الترتيب أن يتجوز عنه بالفاء وثم ; إذ هو غير لازم مع اختلاف الحروف .

          وعلى الوجه الثالث : أنه لا يلزم أن يكون كاذبا بتقدير المعية أو تقدم المتأخر في اللفظ لإمكان التجوز بها عن الجمع المطلق ، كما لو قال : ( رأيت أسدا ) وكان قد رأى إنسانا شجاعا .

          وعلى الرابع : أنه إذا قال : " رأيت زيدا وعمرا بعده " لا يكون تكريرا ; لأنه يكون مفيدا لامتناع حمله على الجمع المطلق لاحتمال توهمه بجهة التجوز ، وإذا قال : ( رأيت زيدا وعمرا قبله ) لا يكون تناقضا لكونه مفيدا لإرادة جهة التجوز .

          وعلى الخامس : أنه إنما حسن الاستفسار لاحتمال اللفظ له تجوزا .

          وعلى السادس : أنه إنما لم يجب على العبد الترتيب نظرا إلى قرينة الحال المقتضية لإرادة جهة التجوز حتى إنه لو فرض عدم القرينة لقد كان ذلك موجبا للترتيب .

          فإن قيل : لو كانت " الواو " حقيقة في الترتيب فإفادتها للجمع المطلق عند تفسيرها به ، إن كان مجازا فهو خلاف الأصل ، وإن كان حقيقة فيلزم منه الاشتراك وهو أيضا على خلاف الأصل .

          قلنا : ولو كانت حقيقة في الجمع المطلق فإفادتها للترتيب عند تفسيرها به ، وإن كان مجازا فهو خلاف الأصل ، وإن كان حقيقة كان مشتركا وهو خلاف الأصل ، وليس أحد الأمرين أولى من الآخر .

          فإن قيل : بل ما ذكرناه أولى ; لأنها إذا كانت حقيقة في الترتيب خلا الجمع المطلق عن حرف يخصه ويدل عليه ، وإذا كانت حقيقة في الجمع المطلق لم يخل الترتيب عن حرف يدل عليه لدلالة ( الفاء ) و ( ثم ) عليه .

          قلنا : إنما نجعلها حقيقة في الترتيب المطلق المشترك بين ( الفاء ) و ( ثم ) وذلك مما لا تدل عليه ( الفاء ) و ( ثم ) دلالة مطابقة ، بل إما بجهة التضمن أو [ ص: 66 ] الالتزام ، وكما أنها تدل على الترتيب المشترك بدلالة التضمن أو الالتزام فتدل على الجمع المطلق هذه الدلالة ، وعند ذلك فليس إخلاء الترتيب المشترك عن لفظ يطابقه أولى من إخلاء الجمع المطلق .

          وعلى السابع : أن ما ذكروه إنما يلزم أن لو كانت ( الواو ) جارية مجرى ( واو ) الجمع و ( ياء ) التثنية مطلقا وليس كذلك ; لأنه لا مانع من كونها جارية مجراهما في مطلق الجمع مع كونها مختصة بالترتيب ، كما في ( الفاء ) و ( ثم ) .

          وعلى الثامن : أنه كما أن الجمع المطلق معقول ولا بد له من حرف يدل عليه ، فالترتيب المطلق أيضا معقول ولا بد له من حرف يدل عليه ، وليس ما يفيده بالإجماع سوى ( الواو ) فتعين ، كيف وإن الجمع المطلق حاصل بقوله : ( رأيت زيدا ، رأيت عمرا ) .

          وعلى التاسع : أن ما ذكروه منتقض بثم وبعد .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية