[ ص: 113 ] الفصل الثاني
في
nindex.php?page=treesubj&link=20551المحظور
وقد يطلق في اللغة على ما كثرت آفاته ، ومنه يقال : لبن محظور ، أي كثير الآفة .
وقد يطلق بمعنى المنع والقطع ، ومنه قولهم : حظرت عليه كذا ، أي منعته منه ، ومنه الحظيرة للبقعة المنقطعة تأتي إليها المواشي .
وأما في الشرع ، فقد قيل فيه ضد ما قيل في الواجب من الحدود المزيفة السابق ذكرها ، ولا يخفى وجه الكلام عليها .
والحق فيه أن يقال : هو ما ينتهض فعله سببا للذم شرعا بوجه ما من حيث هو فعل له .
فالقيد الأول فاصل له عن الواجب والمندوب وسائر الأحكام ، والثاني فاصل له عن المخير كما ذكرناه في الواجب .
[1] والثالث فاصل له عن المباح الذي يستلزم فعله ترك واجب ، فإنه يذم عليه لكن لا من جهة فعله بل لما لزمه من ترك الواجب والحظر
[2] فهو خطاب الشارع بما فعله سبب للذم شرعا بوجه ما من حيث هو فعله ، ومن أسمائه أنه محرم ومعصية وذنب ، وإذا عرف معنى المحظور فلا بد من ذكر ما يختص به من المسائل ، وهي ثلاث مسائل .
[ ص: 114 ] المسألة الأولى
يجوز أن
nindex.php?page=treesubj&link=20555يكون المحرم أحد أمرين لا بعينه عندنا ؛ خلافا
للمعتزلة ; وذلك لأنه لا مانع من ورود النهي بقوله : لا تكلم زيدا أو عمرا ، وقد حرمت عليك كلام أحدهما لا بعينه ، ولست أحرم عليك الجميع ولا واحدا بعينه . فهذا الورود
[3] كان معقولا غير ممتنع .
[4] ولا شك أنه إذا كان كذلك فليس المحرم مجموع كلاميهما ولا كلام أحدهما على التعيين ; لتصريحه بنقيضه ، فلم يبق إلا أن يكون المحرم أحدهما لا بعينه .
ومنهج الخصم في الاعتراض ومنهجنا في الجواب ، فكما سبق في الواجب المخير ، ولا يخفى وجهه ، ولكن ربما تشبث الخصوم هاهنا بقولهم : إن حرف ( أو ) إذا ورد في النهي ، اقتضى الجمع دون التخيير .
ودليله قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=24ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) فإن المراد به إنما هو النهي عن الطاعة لكل واحد منهما لا النهي عن أحدهما .
وجوابه أن يقال : مقتضى الآية إنما هو التخيير وتحريم أحد الأمرين لا بعينه
[5] ، والجمع في التحريم هاهنا إنما كان مستفادا من دليل آخر ، ويجب أن يكون كذلك جمعا بين الآية وما ذكرناه من الدليل .
[6]
[ ص: 113 ] الْفَصْلُ الثَّانِي
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=20551الْمَحْظُورِ
وَقَدْ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَا كَثُرَتْ آفَاتُهُ ، وَمِنْهُ يُقَالُ : لَبَنٌ مَحْظُورٌ ، أَيْ كَثِيرُ الْآفَةِ .
وَقَدْ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمَنْعِ وَالْقَطْعِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : حَظَرْتُ عَلَيْهِ كَذَا ، أَيْ مَنَعْتُهُ مِنْهُ ، وَمِنْهُ الْحَظِيرَةُ لِلْبُقْعَةِ الْمُنْقَطِعَةِ تَأْتِي إِلَيْهَا الْمَوَاشِي .
وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ ، فَقَدْ قِيلَ فِيهِ ضِدُّ مَا قِيلَ فِي الْوَاجِبِ مِنَ الْحُدُودِ الْمُزَيَّفَةِ السَّابِقُ ذِكْرُهَا ، وَلَا يَخْفَى وَجْهُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا .
وَالْحَقُّ فِيهِ أَنْ يُقَالَ : هُوَ مَا يَنْتَهِضُ فِعْلُهُ سَبَبًا لِلذَّمِّ شَرْعًا بِوَجْهٍ مَا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ لَهُ .
فَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ فَاصِلٌ لَهُ عَنِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ ، وَالثَّانِي فَاصِلٌ لَهُ عَنِ الْمُخَيَّرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَاجِبِ .
[1] وَالثَّالِثُ فَاصِلٌ لَهُ عَنِ الْمُبَاحِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ فِعْلُهُ تَرْكَ وَاجِبٍ ، فَإِنَّهُ يُذَمُّ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا مِنْ جِهَةِ فِعْلِهِ بَلْ لِمَا لَزِمَهُ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبِ وَالْحَظْرِ
[2] فَهُوَ خِطَابُ الشَّارِعِ بِمَا فَعَلَهُ سَبَبٌ لِلذَّمِّ شَرْعًا بِوَجْهٍ مَا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلُهُ ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَمَعْصِيَةٌ وَذَنْبٌ ، وَإِذَا عُرِفَ مَعْنَى الْمَحْظُورِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا يُخْتَصُّ بِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ ، وَهِيَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ .
[ ص: 114 ] الْمَسْأَلَةُ الْأَوْلَى
يَجُوزُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=20555يَكُونَ الْمُحَرَّمُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ عِنْدَنَا ؛ خِلَافًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ وُرُودِ النَّهْيِ بِقَوْلِهِ : لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا ، وَقَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْكَ كَلَامَ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ، وَلَسْتُ أُحَرِّمُ عَلَيْكَ الْجَمِيعَ وَلَا وَاحِدًا بِعَيْنِهِ . فَهَذَا الْوُرُودُ
[3] كَانَ مَعْقُولًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ .
[4] وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ الْمُحَرَّمُ مَجْمُوعَ كَلَامَيْهِمَا وَلَا كَلَامَ أَحَدِهِمَا عَلَى التَّعْيِينِ ; لِتَصْرِيحِهِ بِنَقِيضِهِ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحَرَّمُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ .
وَمَنْهَجُ الْخَصْمِ فِي الِاعْتِرَاضِ وَمَنْهَجُنَا فِي الْجَوَابِ ، فَكَمَا سَبَقَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ ، وَلَا يَخْفَى وَجْهُهُ ، وَلَكِنْ رُبَّمَا تَشَبَّثَ الْخُصُومُ هَاهُنَا بِقَوْلِهِمْ : إِنَّ حَرْفَ ( أَوْ ) إِذَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ ، اقْتَضَى الْجَمْعَ دُونَ التَّخْيِيرِ .
وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=24وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِنَّمَا هُوَ النَّهْيُ عَنِ الطَّاعَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا النَّهْيُ عَنْ أَحَدِهِمَا .
وَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ : مُقْتَضَى الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ وَتَحْرِيمُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ
[5] ، وَالْجَمْعُ فِي التَّحْرِيمِ هَاهُنَا إِنَّمَا كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ .
[6]