الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          المسألة الثالثة

          [1] مذهب الشافعي أن المحرم بوصفه مضاد لوجوب أصله خلافا لأبي حنيفة .

          وصورة المسألة ما إذا أوجب الصوم وحرم إيقاعه في يوم العيد ، وعلى هذا النحو فالشافعي اعتقد أن المحرم هو الصوم الواقع وألحقه بالمحرم باعتبار أصله ، فكان تحريمه مضادا لوجوبه ، وأبو حنيفة اعتقد أن المحرم نفس الوقوع لا الواقع ، وهما غيران فلا تضاد إلحاقا له بالمحرم باعتبار غيره ، وحيث قضي بتحريم صلاة المحدث وبطلانها إنما كان لفوات شرطها من الطهارة لا للنهي عن إيقاعها مع الحدث ، بخلاف الطواف حيث لم يقم الدليل عنده على اشتراط الطهارة فيه .

          وبالجملة فالمسألة اجتهادية ظنية ، لا حظ لها من اليقين ، وإن كان الأشبه إنما هو مذهب الشافعي من حيث إن اللغوي لا يفرق عند سماعه لقول القائل : " حرمت عليك الصوم في هذا اليوم " مع كونه موجبا لتحريم الصوم ، وبين قوله : حرمت عليك إيقاع الصوم في هذا اليوم . من جهة أنه لا معنى لإيقاع الصوم في اليوم سوى فعل الصوم في اليوم ، فإذا كان فعل الصوم فيه محرما كان ذلك مضادا لوجوبه لا محالة .

          [ ص: 119 ] فإن قيل : لو كان تحريم إيقاع الفعل في الوقت تحريما للفعل الواقع لزم أن يكون تحريم إيقاع الطلاق في زمن الحيض تحريما لنفس الطلاق ، ولو كان الطلاق نفسه محرما لما كان معتبرا ، وكذلك وقوع الصلوات في الأوقات والأماكن المنهي عن إيقاعها فيها .

          قلنا : أما الطلاق في زمن الحيض إنما قضى الشافعي بصحته لظهور صرف التحريم عنده عن أصل الطلاق وصفته ، إلى أمر خارج ، وهو ما يفضي إليه من تطويل العدة لدليل دل عليه .

          وأما الصلوات في الأوقات والأماكن المنهي عنها فقد منع بعض أصحابنا صحتها في الأوقات دون الأماكن ، ومن عمم اعتقد صرف النهي فيها عن أصل الفعل وصفته إلى أمر خارج لدليل دل عليه أيضا ، بخلاف ما نحن فيه حتى لو قام الدليل فيه على ترك الظاهر لترك .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية