[ 2186 ] وعن رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل على سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فقال: أسامة بن زيد "يا أسامة، عليك بطريق الجنة وإياك أن تختلج دونها. فقال: يا رسول الله، وما أسرع ما يقطع به ذلك الطريق؟ فقال: الظمأ في الهواجر، وحبس النفس عن لذة النساء، يا أسامة، وعليك بالصوم، فإنه يقرب إلى الله، إنه ليس شيء أحب إلى الله من ريح فم الصائم، ترك الطعام والشراب لله، فإن استطعت أن يأتيك الموت وبطنك جائع وكبدك ظمآن فافعل؛ فإنك تدرك بذلك شرف المنزل في الآخرة، وتحل مع النبيين تفرح بقدوم روحك عليهم، ويصلي عليك الجبار، وإياك يا أسامة وكل كبد جائعة تخاصمك إلى الله يوم القيامة، وإياك يا أسامة ودعاء عباد قد أذابوا اللحوم وحرقوا الجلود بالرياح والسمائم، وأظمؤوا الأكباد حتى (غشيت) أبصارهم فإن الله إذا نظر إليهم سر بهم، وباهى بهم الملائكة، بهم تصرف الزلازل والفتن. ثم بكى [ ص: 64 ] النبي صلى الله عليه وسلم حتى اشتد نحيبه، وهاب الناس أن يكلموه حتى ظنوا أن أمرا قد حدث بهم من السماء، ثم سكت فقال: ويح هذه الأمة، ما يلقى منهم من أطاع ربه فيهم كيف يقتلونه ويكذبونه من أجل أنه أطاع الله. فقال : يا رسول الله، والناس يومئذ على الإسلام؟ قال: نعم قال: ففيم إذا يقتلون من أطاع الله، وأمرهم بطاعته؟! فقال: يا عمر بن الخطاب ترك القوم الطريق، وركبوا الدواب، ولبسوا اللين من الثياب، وخدمتهم أبناء فارس والروم، يتزين الرجل منهم تزين المرأة لزوجها، وتبرج النساء، زيهم زي الملوك، ودينهم دين كسرى وهرمز، يسمنون (باهوا بالجشاء) واللباس، فإذا تكلم أولياء الله عليهم العباء محنية أصلابهم قد ذبحوا أنفسهم من العطش، فإذا تكلم منهم متكلم كذب وقيل له: أنت قرين الشيطان ورأس الضلالة، تحرم زينة الله والطيبات من الرزق، يتأولون كتاب الله على غير دين، استذلوا أولياء الله، واعلم يا عمر، أسامة أن الأخفياء الأبرار الذين إذا شهدوا لم يقربوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، تعرفهم بقاع الأرض، يعرفون في أهل السماء، ويخفون على أهل الأرض، وتحف بهم الملائكة، ينعم الناس بالدنيا، وينعمون هم بالجوع والعطش، لبسوا الناس لين الثياب، ولبسوا هم خشن الثياب، افترش الناس الفرش، وافترشوا هم الجباه [ ص: 65 ] والركب، ضحك الناس وبكوا. يا أقرب الناس من الله يوم القيامة لمن طال حزنه وعطشه وجوعه في الدنيا، أسامة، لا يجمع الله عليهم الشدة في الدنيا والآخرة، لهم الجنة، ويا ليتني قد رأيتهم، يا أسامة، لهم البشرى في الآخرة، ويا ليتني قد رأيتهم، الأرض بهم رحيمة، والجبار عنهم راض، ضيع الناس فعل النبيين وأخلاقهم، وحفظوا هم، الراغب من رغب إلى الله في مثل رغبتهم، والخاسر من خالفهم، تبكي الأرض إذا فقدتهم، ويسخط الله على كل بلدة ليس فيها مثلهم. يا أسامة، وإذا رأيتهم في قرية فاعلم أنهم أمان لتلك القرية، لا يعذب الله قوما هم فيهم، اتخذهم لنفسك عسى أن تنجو بهم، وإياك أن تدع ما هم عليه فتزل قدمك فتهوي في النار، حرموا حلال ما أحل الله لهم، طلبوا الفضل في الآخرة، وتركوا الطعام والشراب عن قدرة، لم يتكابوا على الدنيا تكابب الكلاب على الجيف، شغل الناس بالدنيا، وشغلوا أنفسهم بطاعة الله، لبسوا الخرق وأكلوا الفلق، تراهم شعثا غبرا، يظن الناس أن بهم داء وما ذاك بهم، ويظن الناس أنهم قد ذهبت عقولهم وما ذهبت، ولكن نظروا بقلوبهم إلى أمر ذهب بعقولهم عن الدنيا، فهم في الدنيا عند أهل الدنيا يمشون بلا عقول. يا أسامة، عقلوا حين ذهبت عقول الناس، لهم البشرى في الآخرة". رواه . الحارث بن أبي أسامة