41 - ولما ، وتفرقت الآراء ، وتشتت الأهواء ، وكشرت عن أنيابها الداهية الدهياء ، وغشي المسلمين المعضلة الزباء ، وامتدت إلى الشقاق الأعناق ، وتخازرت الآماق ، [ ص: 35 ] واشرأب النفاق ، وجحظت نحو ارتقاب تقطع الأنساب الأحداق ، وتقلقلت لمثار الفتن في أغمادها البيض الرقاق ، وتناوش اجتمع صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم السقيفة لتقديم زعيم ، وتعيين خليفة الأوس والخزرج ، وأعضل المدخل والمخرج ، واعتاص المسلك والمدرك والمنهج ، حتى ذكر لأمر الإمرة ، وباح بنصبه من أراده ، وما كانت تفقأت عنه بيضة سعد بن عبادة مضر ، ولا درت عليه من محض قريش درر ، فنفرت النفوس الأبية ، ولم يكن نصبه قضية مرضية ، فأقنع وكفى في انسلاله عن المنصب الذي تشوف إليه ، قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله : " قدموا قريشا ولا تقدموها " وقوله : " قريش " فلم يبد ناصره - لما ظهر المنهاج ، وقهر الحجاج - خلافا ، وأقروا إذعانا للحق ، وائتلافا على ما سنذكر في باب إمامة الأئمة من أبي بكر من تلك القصة [ ص: 36 ] أوساطا وأطرافا ; إذ لم نر أن نستوعبها استيضافا ، والغرض من ذكرها الآن قبل أن نعيدها استئنافا - أن الناس في ملتطم هذه الأعواص والالتباس طلبوا وزرا يلاذ بظله ، ويرجع إليه في عقد الأمر وحله ، ويفوض إليه معاقد الشأن كله ، فاتفقت للصديق البيعة والصفقة ، وتولى مستحق الحق حقه ، فاستراحت النفوس ، وانزاحت الحدوس ، فلو كان استفاض فيهم نصبه عليا - كرم الله وجهه - وكان - لعمر الله - مستصلحا لمنصب الإمامة مرضيا ، لقال في القوم قائل : ما لكم ترتبكون في الظلمات ؟ وتشتبكون في الورطات ، وتترددون في الخفض والرفع ، والتفريق والجمع ، وتتركون نص صاحب الشرع .
فاستبان بارتجال الأذهان أن النص لو كان ، لاستحال فيه الخفاء والكتمان ، ولتناجى به على قرب العهد به أو بعده اثنان ، على مكر الزمان
[ ص: 37 ] 42 - فوضح بمجموع ما ذكرناه أن الأمر أمران : أحدهما : بطلان مذهب من يدعي العلم بالنص . هذا مستدرك بضرورات العقول من غير حاجة إلى بحث ونظر وفحص .
والثاني : القطع على الغيب بأنه لم يجر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تولية ونصب .