106 - فأما ، فمنها النسب ; فالشرط أن يكون الإمام قرشيا ، ولم يخالف في اشتراط النسب غير الصفات اللازمة ، وليس ممن يعتبر خلافه ووفاقه ، وقد نقل الرواة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ضرار بن [ ص: 80 ] عمرو قريش " وذكر بعض الأئمة أن هذا الحديث في حكم المستفيض المقطوع بثبوته ; من حيث إن الأمة تلقته بالقبول . الأئمة من
107 - وهذا مسلك لا أوثره ، فإن نقلة هذا الحديث معدودون ، لا يبلغون مبلغ عدد التواتر .
والذي يوضح الحق في ذلك أنا لا نجد في أنفسنا ثلج الصدور ; واليقين المبتوت بصدر هذا من فلق في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما لا نجد ذلك في سائر أخبار الآحاد ، فإذا لا يقتضي هذا الحديث العلم باشتراط النسب في الإمامة .
108 - فالوجه في إثبات ما نحاوله في ذلك أن الماضين ما زالوا بايحين باختصاص هذا المنصب بقريش ، ولم يتشوف قط أحد من غير قريش إلى الإمامة ، على تمادي الآماد ، وتطاول الأزمان ، مع العلم بأن ذلك لو كان ممكنا ، لطلبه ذوو النجدة والبأس ، وتشمر في ابتغائه عن ساق الجد أصحاب العدد والعدد ، وقد بلغ طلاب الملك في انتحاء الاستعلاء على البلاد ، والعباد أقصى غايات [ ص: 81 ] الاعتداء ، واقتحموا في روم ما يحاولونه المهاوي والمعاطب والمساوئ ، وركبوا الأغرار والأخطار ، وجانبوا الرفاهية والدعة والأوطان ، فلو كان إلى ادعاء الإمامة مسلك ، أو له مدرك ، لزاوله محقون ، أو مبطلون من غير قريش ، ولما اشرأب لهذا المنصب المارقون في فسطاط مصر ، اعتزوا أولا إلى شجرة النبوة على الافتراء ، وانتموا انتماء الأدعياء ، وبذلوا حرائب الأموال للكاذبين النسابين ، حتى ألحقوهم بصميم النسب .
فهذا إذا ما تطابقت عليه مذاهب طبقات الخلق ، وقد تصدى للإمامة ملوك من قريش ، وإن لم يكونوا على مرتبة مرموقة في العلم ، والسبب فيه أن العلم يدعيه كل شاد مستطرف ، فإذا انضمت أبهة الملك إلى قليل من العلم ، لم يستطع أحد نسبة الملك إلى العرو عن العلم ، والنسب مما لا يمكن ادعاؤه ; فلم يدع - لذلك - الإمامة من ليس نسيبا .
فهذا وجه إثبات شرط النسب .
109 - ولسنا نعقل احتياج الإمامة في وضعها إلى النسب . ولكن خصص الله هذا المنصب العلي ، والمرقب السني بأهل بيت [ ص: 82 ] النبي ; فكان من فضل الله يؤتيه من يشاء .
110 - ومن الصفات اللازمة المعتبرة : ، ونحيزة العقل ، والبلوغ ، ولا حاجة إلى الإطناب في نصب الدلالات على إثبات هذه الصفات . الذكورة والحرية
[ ص: 83 ] 111 - ومما يلتحق بهذا القسم : الشجاعة والشهامة ، وهي خطة علية ، ولا يصلح لإيالة طبقات الخلائق ، وجر العساكر والمقانب ، وعليات المناصب جبان خوار .
وهذه الصفة يبعد اكتسابها بالإيثار والاختيار ، وإن كان قد يفيد كثرة مصادمة الخطوب ، وممارسة الحروب مزيد إلف ، ومزية إقدام ، إذا صادفت جسورا مقداما ، ومن فطر على الجبن واستشعار الحذر لا يزداد على طول المراس إلا فرط الخور ، ثم الشهامة مرعية مع كمال العقل ، ولا يصلح مقتحم هجام لهذا الشأن . وهذا المنصب إلى الرأي أحوج منه إلى ثبات الجنان .
[ ص: 84 ] والرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني .
هذا منتهى الغرض في الصفات اللازمة .